دكتور يس بكري : تزايد حالات الإصابة بالأمراض النفسية وسط كبار السن والأطفال

مرضى الحرب النفسيون يئنون بصمت

نهر النيل – لبنى عبد الله

منذ اندلاع الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023، لا تزال آثارها تتسلل إلى تفاصيل الحياة اليومية، وتتعمق في الجسد والنفس معا. فبينما تنشغل التقارير بحصر الخسائر المادية وأعداد القتلى والنازحين، هناك جانب خفي ينخر في المجتمع بصمت، بعيدا عن عدسات الكاميرا ودوائر القرار: المرضى النفسيون الذين أهلكتهم الصدمة ويصارعون الألم في صمت ثقيل.

في مدينة عطبرة، التي باتت إحدى محطات النزوح واللجوء الداخلي، تتزايد أعداد المصابين بالأمراض النفسية والعقلية، خاصة وسط الأطفال والنساء وكبار السن.

وتواجه المراكز الطبية هناك ضغطًا هائلًا، في ظل شُحّ الموارد، وانهيار النظام الصحي في العاصمة والمدن الكبرى.

“أفق جديد” التقت بالدكتور يس بكري صالح، اختصاصي طب وصحة الأسرة، وزميل علاج الإدمان من جامعة الملايا الماليزية، الذي يعمل على الخطوط الأمامية لتقديم الرعاية للمرضى المتأثرين بالحرب.
و في هذا الحوار نسلّط الضوء على الواقع الصحي والنفسي للنازحين، وانتشار الأمراض، والتحديات اليومية التي تواجه العاملين في القطاع الصحي، في محاولة لفهم ما يحدث خلف جدران الصمت والمقاومة.

وعلى مكتب خشبي متواضع في غرفة صغير، يجلس د. يس بكري صالح اختصاصي طبي وصحة الأسرة، وهو يستمع إلى المرضى خاصة (الأمراض النفسية) الذين فتكت بهم الحرب، ويجتهد في كتابة وصفات علاجية بالقليل من الأدوية المتوفرة.

بسبب حرب السودان المدمرة فإن العائدين دائمًا ما يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة؛ إذ كشف د. يس في مقابلة مع “أفق جديد”، عن تزايد حالات الإصابة بالأمراض النفسية وسط كبار السن والأطفال وتردد ما بين (3-4) حالات يوميًا؛ إضافة إلى أمراض السل الرئوي بأعداد كبيرة خاصة الوافدين من مناطق الحرب.

ما هي أكثر الحالات المرضية ترددا على المستشفى؟

أكثر الحالات المرضية ترددا بعد الحرب في مراكز العلاج بمدينة عطبرة وبأعداد كبيرة هي الأمراض النفسية بكل أنواعها، بالإضافة إلى الأمراض الأخرى، وكافة الأمراض الباطنية بأنواعها والنساء والتوليد ولكن التي تفوقها في نسبة التردد بصورة أكبر هي الأمراض النفسية وما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة خاصة وسط الوافدين من مناطق الحرب، وهناك حالات تردد للمرضى المصابين بالاكتئاب النفسي وسط الأطفال القادمين من مناطق الحرب وتلاحظ تزايدها بنسب كبيرة جدًا، وأيضا اكتئاب ما بعد الولادة وسط الأمهات.

كما يعاني الأطفال الذين عاصروا الحرب من الصدمات النفسية، وهناك زيادة عالية وسط المترددين بهذا النوع من الأمراض النفسية، وهناك إصابات وسط الأطفال وهي ما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة، وكل الوافدين إلى مدينة عطبرة من مناطق الحرب خاصة الذين عاصروا أحداث الاشتباكات ومكثوا لمدة اطول وتأخروا في الانتقال إلى الولايات الآمنة وهم يشكلون النسبة الأكبر للتردد .

هل لديكم أرقام تقريبية بالنسبة لتردد المرضى من أجل تلقي العلاج اللازم؟

أعداد التردد في اليوم تصل ما بين حالتين إلى ثلاثة حالات وقابلة للزيادة، وفي نهاية الأسبوع قد تصل إلى 3-4 حالات، ونعاني بسبب الضغط العالي جدًا على العيادات المحولة بخلاف المرضى الذين تمت معاينتهم مسبقا، وتتم متابعة حالاتهم خاصة الذين عادوا إلى الخرطوم وذلك بالتواصل معهم ونلاحظ الاستجابات الإيجابية للعلاج .
وأيضا هناك نسبة مقدرة للأطفال الذين يعانون من الاضطرابات النفسية والعقلية ويشكلون نسب مقدرة.

وأيضًا توجد حالات التردد بأمراض الحمى النزفية و حمي الضنك التي تأتي أغلب الاصابات بها للعلاج من ولاية الخرطوم في محلياتها المختلفة ومن ولاية الجزيرة، وهذه الأمراض دخيلة على ولاية نهر النيل ولم تكن موجودة بها؛ ويعد ناقل حمى الضنك أو ما يعرف بالزاعجة المصرية والتي تعيش في المناطق الرطبة انحصر توالدها في السابق في ولايات الشرق مثل كسلا وحلفا ومصر وبعد الحرب تكّيف هذا الناقل بصورة أو بأخرى في ولاية الخرطوم.

ما هي الأمراض الأكثر شيوعا وترددا على المستشفى والمراكز العلاجية؟

من الأمراض الأكثر شيوعًا و ترددا بالإضافة لكل ما ذكر أعلاه مرض السل الرئوي، ويمكننا أن نقول أن أعداد التردد مأهولة جدًا بعد الحرب، ويعود السبب إلى انقطاع المصابين القادمين من مناطق الحرب عن العلاج مما تسبب في انتكاستهم، عقب قدومهم إلى ولاية نهر النيل ساهموا في نقل العدوى مما عمل على زيادة نسبة المصابين بصورة كبيرة، بالإضافة إلى الظروف المعيشية القاسية التي يعيشونها وارتفاع نسبة الفقر والجوع.

هل تذكرة الدخول إلى الطبيب أو المراكز العلاجية مرتفعة أم رمزية؟

تذكرة الدخول إلى عيادة رمزية، بالإضافة إلى استقبال حالات بدون مقابل وارتبط العلاج بمعرفة إنسان عطبرة بالقرى وخلق علاقات صداقة مع المرضى عبر دراسة الحالة الاجتماعية، هذا بالنسبة للوضع قبل الحرب، نقوم حاليًا بتقديم الخدمة مجانًا ونعلم تدني الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة الفقر وبعد الحرب يتم استقبال جرحى العمليات والمصابين في المركز التشخيصي مجانًا. كما نستقبل الوافدين من مناطق الحرب أيضًا مجانًا ولدينا تفاهمات مع مركز صحي (أم بكول، في عطبرة لعلاج كافة الوافدين من مناطق الحرب مجانا بما فيها الفحوصات والموجات الصوتية.

ما هي توصيتكم للمرضى، وخاصة المرضى الذين يعانون اضطرابات نفسية بسبب الحرب؟

عبر مجلة “أفق جديد” نقدم دعوة لكل المتأثرين بالحرب وغير المتأثرين بولاية نهر النيل من الذين لا يملكون ثمن العلاج لتقديم خدمة طبية مجانية من خلال الاتصال عبر الرقم (012466177) أو الرقم (0915691158) وتواصلنا مع إدارة مركز صحي (أم بكول) ليتم عبره تحويل حالات لتقديم الخدمة مجانا وقد تم تحويل العديد من الحالات أغلبها تكون من الحوامل.

كيف توفرون الثقة مع المرضى خاصة المتأثرين بالصدمات النفسية بسبب الحرب؟

تخصص طب الأسرة لا يجعلنا نتعامل مع المريض كفرد بل كأسرة كاملة نقوم بالعمل على متابعته وتقديم العلاج النفسي وخلق علاقة صداقة معه مما يوفر ثقة بين الطبيب والمريض كمثال الإصابة بالجلطة لا نقوم بعلاج الجلطة فقط أيضًا نعالج اكتئاب ما بعد الجلطة.

ما هي أبرز المشاكل التي تواجهكم في مستشفى عطبرة؟

هناك الكثير من التحديات التي تواجهنا أبرزها الضغط العالي على مستشفى عطبرة التعليمي ومستشفيات ولاية نهر النيل التي تستقبل كل الحالات بالبلاد كبديل للمستشفيات بالعاصمة الخرطوم التي توقفت بسبب الحرب والولايات. وهناك حاجة لتفعيل خدمات الرعاية الصحية الأولية وتأهيل المراكز الصحية والتي تعاني كثير من التحديات بسبب ضعف التأهيل واللجان الشعبية بالقرى والتي تتدخل في العمل الفني للأطباء مما عمل على تنفير البعض من العمل بالقرى. ومن نطالب الجهات المسؤولة الاهتمام بالعمل على تأهيل المراكز الصحية حتى تخفف الضغط على المستشفى الكبير مع ملاحظة أن هناك أمراض لا يحتاج فيها المريض الذهاب إلى المستشفى ويمكن علا جها بالمراكز الصحية وفي حال كانت مؤهلة يمكن أن تخفف الضغط على المستشفى.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى