مستنقع المليشيات

السر السيد

إشارة:

انتخبتُ عمدًا هذا الجزء من عنوان كتاب: (سلام السودان.. مستنقع المليشيات والجيوش شبه النظامية”، لأن المليشيا.. موقعها ودورها، هي “الثيم” الأساس في الكتاب إذا جاز التعبير، فقد كانت من أدوات الأنظمة الحاكمة في المحافظة على السلطة في مختلف المراحل، ومن أدوات المعارضة في الوصول إلى السلطة، ليس فقط تلك التي تنتهج الكفاح المسلح وإنما أيضًا التي تنتهج الكفاح السلمي، مما يعني أنها شكلت سمة من سمات المشروع الوطني بوجهيه السائد والصاعد.

الكتاب من تأليف الصحافي والكاتب السوداني المثابر الأستاذ أمير بابكر عبدالله، ويقع في نسخته الـ pdf ، في عدد 139 صفحة، وسبق له أن نُشر على منصة أمازون، كما يمكن الحصول عليه الآن عبر الإنترنت.

عن الكتاب:

يسعى الكتاب، وبهمة عالية تبدت في وفرة المعلومات، مع نزوع واضح نحو الموضوعية ولا أقول الحيادية، إلى الكشف عن موقع المليشيا والجيوش شبة النظامية في الصراع السياسي والاجتماعي والثقافي في السودان، منذ عشية الاستقلال وحتى حرب الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣، الدائرة الآن.

 هذه الوفرة في المعلومات، كانت تأتي، متسلسلة، ومتقاطعة، ومستدرِكة، مما يمنح القارئ فرصة أن يقف على أبعد مما هو مشهور ومتواتر في هذا الموضوع، ولعل مما ساعد في هذا التدفق المتسائل للمعلومات، حزمة العناوين الرئيسة والفرعية للكتاب وطريقة ترتيبها، التي نذكر منها: (المليشيات والجيوش غير النظامية/ تاريخية الظاهرة وعالميتها/ السودان طرق الحرب وأزقة السلام/ الدولة وتفعيل استراتيجية المليشيات/ انقلاب الحركة الإسلامية والقوات الصديقة/الكرة المرتدة/ الحركة الشعبية وفصائل التجمع الوطني الديمقراطي/ الدمج والتسريح.. تجارب مختلفة/ العودة إلى مربع المليشيات/ البعد الخارجي للمليشيات والجيوش غير النظامية/ ثورة ديسمبر السلمية وطوفان المليشيات/ مبادرات السلام 1989-2018..إلخ).

عبّرت هذه العناوين وغيرها مجتمعة عن عنوان الكتاب الذي يتكون من مفردات (سلام + سودان + مستنقع + مليشيات + جيوش شبه نظامية)، وبالتالي عن ما يحاول أن يقوله الكتاب، فعبرها سنقف على تعريف ظاهرة المليشيات والجيوش غير النظامية والفرق بينهما، وعلى عالمية الظاهرة، وعلى طرق صناعة المليشيات في السودان وكيفية تناسلها، وعلى ارتباطاتها الخارجية، وعلى التحالفات بين “المدنيين” و”العسكريين”، في التجربة السياسية السودانية، وعلى قِدَم ظاهرة المليشيات في السودان وضلوع الأنظمة المتعاقبة في صناعتها، وعلى تجارب اتفاقيات السلام في السودان، وعلى طبيعة الأنظمة العسكرية وقدرتها على إجهاض مشاريع (التغيير) السلمية والمسلحة… باختصار يسعى الكتاب وعبر عناوينه هذه وبِرِهانٍ أساس على المعلومة الدقيقة والتحليل الموضوعي قدر الإمكان إلى الكشف عن مسارات المشروع الوطني السوداني منذ عشية الاستقلال وإلى الآن، متخذًا من الصراع المسلح منذ اندلاع أول تمرد في العام ١٩٥٥ مرآة لهذا المسار، كاشفًا عن أدوار القوى الفاعلة فيه (الأنظمة الحاكمة، والمعارضات السلمية، والمعارضات المسلحة)، وسيرورة هذه الأدوار وما يتحكم بنيويًا في مساراتها، ليقف القارئ/ القارئة وربما لأول مرة على أن ما اصطلح على تسميته بالدائرة الشريرة وصفًا لدورة أنظمة الحكم بعد الاستقلال في العام ١٩٥٦ من نظام ديمقراطي إلى نظام عسكري، ومن نظام عسكري إلى نظام ديمقراطي، وهكذا دواليك، كانت تتزامن معه دائرة شريرة أخرى على مسار الصراع المسلح، حيث كان السودان ومنذ أول تمرد وحتى سلام جوبا في ٣ أكتوبر ٢٠٢٠، يدخل في حرب تنتهي باتفاقية سلام ثم تعود الحرب مرة أخرى لتنتهي باتفاقية سلام وهكذا دواليك.

هذا الكتاب يحررنا من التعامل مع كلمة ميليشيا وكأنها شتيمة، أو كأنها دلالة على التخلف، أو كأنها مثالًا للنقاء الثوري، إذ أنه يعمل على موضعتها في موقعها المعرفي والسياسي المناسب، كما أنه يحررنا أيضًا من النظر للماضي عبر ما يعرف بـ(استعمالات الذاكرة) بدلًا عن التاريخ، إذ أنه يكشف- على الأقل في ما يخص صناعة المليشيات وتصميم اتفاقيات السلام- صعوبة تحميلهما لهذا النظام أو ذاك أو لهذه الجهة أو تلك، فالكل شريك في هذا مع اعتبار الفروقات.

 

أيضًا يضعنا الكتاب، أمام مأزق النُخَب السودانية، التي تكون في سدة الحكم أو تلك التي تكون في المعارضة سلميًا أو عبر السلاح.. هذا المأزق الذي يتمثل وباستمرار في سعي هذه النخب لاقتسام السلطة والثروة، مع النظام الحاكم. إنها نُخَبٌ تتبادل الأدوار في متوالية خشنة أو ناعمة.. إنها نُخَبٌ تتشابه.

إن كان من خاتمة لهذا العرض العام فليس أنسب من إيراد هذا القول للمؤلف الذي جاء تحت العنوان: (المشروع الوطني للخروج من عنق الزجاجة)، فقد قال:

“صياغة مشروع وطني متكامل يتطلب: الاعتراف والإقرار بفشل المؤسسة السياسية منذ ما قبل الاستقلال وبعده في وضع الأسس التي تُبنى عليها الدولة السودانية، وتتطلب إعادة النظر في مؤسسات الدولة الموروثة من الاستعمار  التي أسست لخدمة الأهداف الاستعمارية وإعادة بنائها وفقًا لمنظور وطني تتحقق فيه الوحدة الوطنية المعترفة بالتنوع الثقافي… الإثني، والديني، في السودان”.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى