معبر “أدري”… شريان حياة في قلب المجاعة والحرب 

 أفق جديد 

 

وسط عتمة الحرب السودانية الممتدة منذ أكثر من عامين، تلوح بارقة أمل عند تخوم الغرب المنكوب، حيث شهد معبر “أدري” الحدودي بين السودان وتشاد انتعاشًا ملحوظًا في الحركة التجارية والإنسانية. 

هذا الممر الذي يتنفس على هامش الدمار، بات الشريان الرئيسي لتدفق المساعدات الغذائية والمواد الأساسية إلى ملايين السودانيين المحاصرين بين الجوع والرصاص، لاسيما في ولايات دارفور وكردفان.

فمنذ إعادة فتحه قبل أشهر، لعب المعبر دورًا محوريًا في تسهيل دخول قوافل الإغاثة، رغم التحديات الأمنية والعراقيل البيروقراطية وتضارب المصالح بين أطراف النزاع. 

وبينما ترحب الأمم المتحدة والدول المانحة بجهود تمديد العمل به، يبقى الواقع أكثر تعقيدًا، إذ ما تزال المساعدات تواجه خطر الانقطاع بفعل الاشتباكات، والحصار، وتداخل الأجندات الإقليمية.

الجوع لا ينتظر

يعتبر معبر “أدري” الحدودي أحد أهم المعابر الرسمية التي تربط السودان بدولة تشاد، ويقع على بعد حوالي 28 كيلومترًا من مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، ويقابله على الجانب التشادي بلدة “أدري” التابعة لإقليم وداي.

وقال خالد اسحق وهو مواطن من سكان مدينة زالنجي، إن فتح المعبر الحدودي يساعد في وصول المساعدات الإنسانية عبر جميع الطرق الضرورية عبر الحدود.

وأوضح اسحاق في حديثه لـ”أفق جديد”، أن الآلاف يواجهون خطر المجاعة في دارفور وكردفان، ولا بد من تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية باعتبارها مسألة مهمة وضرورية لإنقاذ المواطنين.

انتعاش تجاري

ويعتبر معبر “أدري” الحدودي الرافد الأساسي لولايات دارفور وكردفان بالمواد الغذائية والسلع التجارية، إلى جانب الوقود.

وقال التاجر محمد الحسن عبد الله، إن حركة الصادر بين السودان وتشاد شهدت زيادة كبيرة خلال الأشهر الأسابيع الماضية.

وأشار عبد الله في حديثه لـ”أفق جديد”، إلى أن حركة صادر السلع إلى دولة تشاد التي تشمل السمسم والفول السوداني والزيوت والصمغ العربي والكركدي، والعسل، شهدت مؤخرًا زيادة كبيرة خلال الفترة الماضية.

تحديات الوصول 

خلال موسم الأمطار تصبح الطرق الترابية التي تربط المعبر بمدينة الجنينة، شبه معدومة بسبب الفيضانات، مما يدفع التجار إلى الإسراع في تخزين السلع خلال موسم الجفاف تفاديًا لانقطاع الإمدادات.

وفي 14 مايو الماضي، أعلنت الحكومة السودانية، تمديد فتح معبر “أدري” البري الرابط بين السودان وتشاد، لمدة ثلاثة أشهر أخرى لتمكين استمرار وصول المساعدات الإنسانية إلى دارفور.

ووافقت الحكومة على فتح المعبر الواقع في ولاية غرب دارفور الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، اعتبارًا من 15 أغسطس 2024 لمدة ثلاثة أشهر، قبل أن تجدد بقاءه مفتوحًا لفترة مماثلة لأربع مرات تشمل التمديد الجديد.

وقالت وزارة الخارجية، في بيان إن “الحكومة السودانية قررت تمديد فتح معبر أدري لإيصال المساعدات والعون الإنساني لمتضرري الحرب بالبلاد لثلاثة أشهر إضافية تبدأ من 16 مايو الحالي إلى 15 أغسطس المقبل”.

وأفادت بأن التمديد يأتي في سياق حرص الدولة على تسهيل انسياب الإغاثة للمواطنين الذين تضرروا جراء الحرب، كما يؤكد تعاون وانخراط الحكومة الإيجابي مع المجتمع الدولي في هذا الصدد.

ترحيب أممي مشروط

وفي 15 مايو الماضي، رحب مسؤولان أمميان بالأنباء التي تفيد بأن معبر أدري الحيوي بين شرق تشاد ودارفور في السودان سيظل متاحا لحركة العاملين في المجال الإنساني والإمدادات.

وجاء الترحيب من قبل كل من وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية توم فليتشر، ومنسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان كليمانتين نكويتا سلامي.

وأشار فليتشر إلى أنه منذ إعادة فتحه قبل ثمانية أشهر، كان معبر أدري شريان حياة أساسيا لملايين الأشخاص المحتاجين في المنطقة.

وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بأنه منذ آب/أغسطس من العام الماضي، دخلت ما يقرب من 1600 شاحنة تحمل 52,500 طن متري من البضائع الإنسانية إلى السودان عبر أدري، ناقلة مساعدات منقذة للحياة لنحو 2.3 مليون شخص.

وكان ما يقرب من ثلاثة أرباع هذه الإمدادات مساعدات غذائية طارئة وسبل عيش، بينما دعم الباقي خدمات الصحة والتغذية والمأوى والمياه والصرف الصحي والتعليم. 

وأكد المكتب أن هذا التمديد أمر حيوي للحفاظ على شريان الحياة هذا وتوسيعه.

عوائق بيروقراطية

 حذر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة من أن العوائق البيروقراطية لا تزال تعيق عمليات الإغاثة، بينما يُشكل الصراع الدائر مخاطر جسيمة على العاملين في المجال الإنساني.

ويشمل ذلك ولاية شمال دارفور، حيث أفادت التقارير بأن قصفا عنيفا في الفاشر وقع يوم الأربعاء ألحق أضرارا بمجمع لمنظمة غير حكومية.

وصرحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بأن نيران المدفعية في المدينة دمرت شاحنة مياه كانت الوكالة تدعمها في مجمع المستشفى السعودي. 

وكانت تلك الشاحنة تنقل مياها آمنة لحوالي 1000 مريض في حالة حرجة، والآن تعطلت رعايتهم.

وأكد مكتب “أوتشا” مجددًا على ضرورة وقف الهجمات على المدنيين والأصول الإنسانية والمرافق الطبية، وأنه يتعين على جميع الأطراف احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني.

قلب دارفور يئن 

عبر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية عن القلق إزاء التدهور المستمر للوضع الأمني في الفاشر وشمال دارفور.

وأفاد بأن الاشتباكات المتجددة أدت إلى نزوح ما لا يقل عن 1700 شخص، حيث أفادت المنظمة الدولية للهجرة بأن معظمهم يفرون إلى مناطق مكتظة بالفعل مثل مدينة الطويلة. 

ويُضاف هذا النزوح الجديد إلى نزوح 2000 شخص فروا من مخيم أبو شوك والفاشر الأسبوع الماضي.

وقال المكتب إنه على الرغم من انعدام الأمن وصعوبة الوصول، فإنه بالتعاون مع الشركاء يبذل قصارى جهده للوصول إلى الناس في هذه المناطق بدعم منقذ للحياة.

وقال إن قافلة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي تحمل مواد غذائية وإمدادات غذائية لما يقرب من 100,000 شخص في الفاشر غادرت من الدبة شمال دارفور.

وأضاف أن القافلة تقطع أكثر من 1000 كيلومتر لإيصال الإغاثة الضرورية للأشخاص الذين يواجهون المجاعة منذ ما يقرب من عام، موضحا أنه يجري التخطيط لمزيد من القوافل، لكن الوصول الإنساني الآمن أمر ضروري.

ودعا مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية مجددا إلى توفير وصول غير مقيد للمساعدات الإنسانية – عبر جميع الطرق الضرورية، سواء عبر الحدود أو خطوط الصراع، بالإضافة إلى حماية المدنيين، والوقف الفوري للأعمال العدائية.

وأشار كذلك إلى تصاعد الصراع في شرق البلاد، حيث أدت هجمات الطائرات المسيرة المتكررة في بورتسودان إلى إتلاف البنية التحتية الحيوية ونزوح عدد متزايد من الناس.

النزوح مستمر 

قالت المنظمة الدولية للهجرة إن أكثر من 2600 شخص فروا ما يرفع إجمالي عدد النازحين الجدد المبلغ عنهم في المدينة هذا الشهر إلى أكثر من 3000 شخص.

وظلت الحكومة توافق على تمديد فتح معبر أدري رغم اتهاماتها لقوات الدعم السريع باستغلال المعبر لنقل العتاد العسكري واللوجستي الذي توفره دولة الإمارات عبر تشاد.

وفي السياق، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة مغادرة قافلة تحمل إمدادات غذائية وتغذوية من مدينة الدبة بالولاية الشمالية إلى الفاشر.

وقال إن هذه القافلة ستقطع أكثر من ألف كيلومتر، مشددًا على ضرورة وصولها إلى وجهتها بأمان نظرًا لحملها مساعدات حيوية لأشخاص يواجهون خطر المجاعة.

ويحتاج 79% من سكان دارفور إلى مساعدات إنسانية وحماية، بعد أن دمر النزاع القائم سبل العيش وسلاسل الإمداد، وتفشي النهب على نطاق واسع في الإقليم.

وتمنع قوات “الدعم السريع” وصول المساعدات إلى الفاشر ومخيمات النزوح حولها بشمال دارفور، رغم الشح الشديد في الغذاء والعلاج نتيجة للحصار الذي تفرضه على المدينة والهجمات البرية والقصف عبر المدافع والطائرات المسيرة.

وتسيطر قوات “الدعم السريع” على 4 ولايات في إقليم دارفور من أصل 5، بينما تخوض اشتباكات مستمرة مع الجيش السوداني في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تعتبر مركزًا للعمليات الإنسانية لكل ولايات الإقليم.

ويخوض الجيش السوداني و”الدعم السريع” منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا

Exit mobile version