الاسلاميون يمهدون لحرب جديدة
اجتماعات الرباعية :
تستضيف واشنطن في 29 يوليو اجتماعًا محوريًا بمشاركة دولية (الولايات المتحدة، السعودية، مصر، الإمارات، ومرجح قطر وبريطانيا)، لفرض وقف الحرب في السودان وإطلاق عملية سياسية جديدة. الاجتماع يُعد فرصة أخيرة للسلام وسط تحذيرات من مجاعة كارثية تلوح في الأفق.
لا يشمل الاجتماع أي تمثيل للأطراف السودانية، وخصوصًا الإسلاميين الذين تحمّلهم الدول الراعية مسؤولية الانهيار. وتشير المعطيات إلى توافق دولي على إنهاء دورهم، ما دفعهم للتصعيد والتحريض ضد الحركات المسلحة، تمهيدًا لحرب جديدة تعيد إنتاج المأساة.
يروج الإسلاميون لحملات تشويه ضد “القوات المشتركة” ويشككون في ترتيبات الأمن بالعاصمة، بينما تشير تحركات عسكرية وتصريحات غامضة إلى أن مخططًا يُعد لإقصاء هذه القوات بالقوة، في تكرار لسيناريو بداية الحرب مع قوات الدعم السريع.
بينما يتفق المجتمع الدولي على ضرورة وقف الحرب وبناء جيش وطني موحد، يحذر قادة مدنيون من أن أطرافًا من النظام السابق تعبئ الرأي العام لإفشال جهود السلام، في حين يرى آخرون أن السلام لن يتحقق إلا بإرادة داخلية صلبة ترفض الحرب وتواجه “تجار الدم والسلطة”.
======
الإسلاميون يمهدون لحرب جديدة
اجتماع “4+2” في واشنطن الفرصة الأخيرة للسلام في السودان
أفق جديد
ينعقد في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم الإثنين 29 يوليو الجاري اجتماعٌ مفصليّ قد يكون الأكثر أهمية منذ اندلاع الحرب في السودان، وسط آمال متزايدة من قِبل المجتمع الدولي في إنهاء النزاع، وتحذيرات متصاعدة من أن البلاد تقف على حافة مجاعة تاريخية شبيهة بتلك التي اجتاحتها عام 1906.
الاجتماع الذي تنظمه الإدارة الأمريكية تحت إشراف المستشار الخاص للرئيس دونالد ترامب لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط، مسعد بولس، يضم وزراء خارجية أربع دول محورية هي مصر، السعودية، الإمارات، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، وتضاربت الأنباء حول دعوة قطر، بريطانيا، فإن صدقت الأخبار التي تقول بدعوتهم للاجتماع يمكن أن يُعرف باجتماع “4+2” – أي رباعية واشنطن، بالإضافة إلى قطر وبريطانيا. وتؤكد مصادر “أفق جديد” أن الاجتماع سيصدر عنه قرار ملزم بوقف الحرب لا يحتمل الرفض أو المراوغة، إلى جانب إجازة وثيقة أمريكية للتسوية النهائية، يُدعى بموجبها الجنرال عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى التوقيع عليها، قبل الانتقال إلى ترتيبات سياسية جديدة تخص مستقبل الحكم.
لا مقاعد لمجرمي الحرب
اللافت في الاجتماع أنه لا يتضمن أي تمثيل لطرفي الحرب أو لأي جهة مدنية سودانية، على عكس ما روّجه معارضو التسوية خلال الأيام الماضية. ووفقًا لمصادر دبلوماسية تحدثت لـ”أفق جديد”، فإن تجاوز أطراف النزاع في الاجتماع ليس استبعادًا بقدر ما هو إقرار صريح بفشلهم الذريع، وتحميلهم مسؤولية الانهيار الوطني الشامل، وهو ما دفع واشنطن وشركائها إلى تولي زمام المبادرة هذه المرة بقرارات مباشرة، وتقول المصادر الدبلوماسية إن هناك إجماع شبه كامل وسط المجموعة التي ستلتقي الاثنين في واشنطن على إبعاد الإسلاميين من المشهد السوداني، ورجحت أن تكون دعوة قطر لهذا الاجتماع للقيام بدور إقناعهم بالحسنى لوضع السلاح والانزواء.
نهاية وهم الإسلاميين
الاجتماع يمثل تهديدًا وجوديًا للمشروع السياسي الذي يقوده الإسلاميون السودانيون من خلف واجهات مدنية وعسكرية في بورتسودان. فقد فشلت محاولاتهم المحمومة لإفشال الاجتماع أو التشويش عليه، سواء عبر الطعن في المشاركين أو تسويق نظريات المؤامرة. لكن، ومع اقتراب ساعة الحقيقة، بات الإسلاميون يعدّون العدة لخطة بديلة: إطلاق حرب موازية تقود البلاد إلى مستنقع دموي آخر.
وما رصدته “أفق جديد” على مدى الأيام الماضية في المنصات الإعلامية المرتبطة بهذا التيار يشي بالكثير: حملة منظمة لتشويه قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، ووصمها بأنها “عصابات فاسدة” و”لا أخلاق لها”، في وقت تغض فيه هذه الحسابات الطرف عن شبكات الفساد المتغلغلة في مؤسسات بورتسودان التي يسيطر عليها الإسلاميون أنفسهم. الحملة المتصاعدة على “القوات المشتركة” – التي تضم مجموعات قاتلت إلى جانب الجيش – انتقلت من خطاب البطولة إلى التخوين واتهامها بالمسؤولية عن الانفلات الأمني في الخرطوم، مع إبراز حوادث نهب وقتل متفرقة حدثت مؤخرًا في أم درمان وجنوب الخرطوم وجبل أولياء، وتوجيه أصابع الاتهام نحو هذه القوات تحديدًا. وبلغ التمهيد ذروته بإعلان قرار منسوب للجنرال البرهان يقضي بإخلاء العاصمة من الوجود المسلح، وهو ما نفى حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، المشرف على القوات المشتركة، علمه به أو مشاورته فيه وقال صراحة “إنهم علموا بالقرار عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.
اللواء متقاعد صديق حسن الصديق، قال لـ”أفق جديد” إن عملية إعادة انتشار القوات تتم عادة بعد اجتماعات مع قيادات الأفرع والوحدات، وتحديد المسارات التي تسلكها القوات، وأماكن تجمعها، والنقاط التي ستذهب إليها، وأشار إلى أن هذا القرار وبهذه الطريقة إن صدق هو بمثابة إعلان حرب على القوات المشتركة، واعتبارها قوة متمردة يجب إخلاؤها بالقوة. وطالب صديق قيادة القوات المسلحة بتصحيح القرار والعمل على إعادة انفتاح ونشر القوات وفقًا للقواعد العسكرية المعمول بها في مثل هكذا حالات.
هذا السيناريو يعيد إلى الأذهان الطريقة ذاتها التي أُقصي بها الدعم السريع من الخرطوم، التي فجرت الحرب الحالية. واليوم، يبدو أن ذات العقل المدبر يعد لإعادة إنتاج المأساة باسم جديد، وبقوات مختلفة، إذ أشار صحافيون مؤيدون للحرب ضمنًا إلى حرب جديدة مع الحركات المسلحة، وقال أحدهم في تغريدة مثيرة للجدل “يجب أن لا نرتكب ذات الخطأ مرتين”.
إجماع … ما عدا الخرابيين
في مقابل هذا التصعيد العبثي، تؤكد مصادر مطلعة لـ”أفق جديد” أن الدول المشاركة في اجتماع واشنطن متفقة بشكل غير مسبوق على إنهاء الحرب، وإنشاء جيش وطني موحد، وحل جميع الميليشيات – بما فيها تلك التي تحتمي بعباءة “الدولة ” في بورتسودان، أو تختبئ خلف غبار المعارك في الخرطوم ودارفور.
المجاعة تطرق الأبواب
وسط هذا كله، تُجمع تقارير منظمات الإغاثة الدولية والأمم المتحدة على أن المجاعة باتت وشيكة، لا تقل في فداحتها عن تلك التي شهدتها البلاد في عام 1906 حين انهار المجتمع النيلي بفعل الحروب والمجاعات المتتالية. واليوم، يوشك التاريخ أن يعيد نفسه، مع فارق أن السودان يمتلك من الموارد والفرص ما كان يمكن أن يجعله منارة للقارة، لا نموذجًا لفشل الإنسان والنخب والأنظمة.
وقال نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي بتحالف “صمود” : خالد عمر يوسف إن تحركات إدارة الرئيس ترامب الأخيرة وضعت قضية وقف القتال في السودان كأحد أولوياتها، مشيرًا إلى أنها تعد فرصة مهمة للغاية، حيث أنها شرعت في بناء تنسيق دولي لهذا الغرض يشمل دولاً مهمة في المنطقة والعالم، مما سينسق الضغوط لإنهاء الصراع، معتبرًا في تغريدة على حسابه في منصة “اكس” – تويتر سابقًا – أن العامل الخارجي مهم ولكنه غير كافٍ لتحقيق سلام مستدامٍ في السودان، ورهن تحقق ذلك بإرادة السودانيين أولًا وأخيرًا.
وأضاف: “برزت أصوات متعقلة عديدة وسط مساندي أطراف القتال المختلفة، تقول بأنه قد آن أوان وقف هذه المقتلة التي لا جدوى منها”، معتبرًا أن ذلك اتجاه ايجابي يجب تشجيعه، وهو إلى جانب الموقف المدني الديمقراطي غير المنحاز لأي من أطراف الصراع، وموقف غالب أهل السودان الذين أنهكتهم الحرب واللجوء والنزوح سيشكل قاعدة اجتماعية واسعة، توفر الاستقرار اللازم لاستدامة السلام في البلاد، ولم ينسَ يوسف أن يؤشر إلى ما أسماه بالأصوات المحدودة من عناصر النظام السابق التي بدأت حملة للتعبئة ضد جهود وقف الحرب.
ودعا خالد إلى محاصرة تلك الأصوات وتعريتها باعتبارها أصوات مستفيدة من استمرار الحرب واستمرار معاناة السودانيين قائلًا: “كيف لا وهم من وجدوا في حالة الفوضى هذه فردوسهم المفقود، فهرعوا لاكتناز المال والسلاح والسلطة على أشلاء جسد البلاد الممزق، يجب التصدي لتجار الحروب والدمار وعدم تمكينهم من إطالة أمد معاناة الناس”.
وبدوره حذر رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي من محاولات إجهاض اجتماعات واشنطن واعتبرها الفرصة الأخيرة لإنهاء الحرب في السودان، وطالب الفاضل المجتمعين باعتماد وثيقة “اتفاق المنامة الإطاري”، التي وقعها نائب القائد العام للقوات المسلحة السودانية، ونائب قائد قوات الدعم السريع في ٢٠ يناير ٢٠٢٤ في المنامة عاصمة مملكة البحرين؛ أساسًا لقرارات اجتماع واشنطن المرتقب، وأكد الفاضل في تغريدة على منصة “اكس” أن الاجتماع لن يحضره أي طرف سوداني سواء كان من المدنيين أو العسكريين، ولم تتم دعوة أي فئة، معتبًرا ما يروج في هذا الإطار الهدف منه التشويش على الاجتماع ومحاولة إفشاله.
وقال رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي: “اللحظة مفصلية. إما سلام تفرضه الإرادة الدولية وينقذ الملايين من الموت، أو حرب جديدة برعاية فلول مهزومة تسعى للنجاة بحصانتها على حساب دماء الأبرياء”.
وعلى الشعب السوداني أن يُدرك – كما تقول إحدى شخصيات المقاومة التي تحدثت لـ”أفق جديد” – أن “السكوت اليوم خيانة، والحياد تواطؤ، والتأجيل انتحار جماعي”.