استثناء في القاعدة
السر السيد
جمال الفضل هو الشخصية الرئيسية في كتاب: “الشاهد الأول ضد بن لادن.. جمال الفضل سوداني هزَّ القاعدة”. الكتاب من تأليف الصحافي السوداني محمد عبدالعزيز، وكان قد بدأ في كتابته في العام ٢٠١٠. صدر الكتاب في طبعته الأولى في العام ٢٠٢٤ عن “المصرية السودانية الإماراتية للنشر والتوزيع”، وأشرفت عليه وتولت توزيعه الحصري “منشورات عندليب”.. يقع الكتاب في عدد ٢٤٥ صفحة من القطع المتوسط.
فصول الكتاب:
يتكون الكتاب من ثلاثة فصول، ويتكون كل فصل من عناوين فرعية. يستعرض الفصل الأول من صفحة ١٢ وحتى صفحة ٤٤، جانبًا من السيرة الشخصية لجمال الفضل، الأب والأم والإخوة والأخوات، وسفرياته إلى السعودية وأمريكا وأفغانستان والقاهرة، وسرقته مبلغًا ماليًا من والده، أجواء الجهاد في أفغانستان وعلاقة أمريكا بالمجاهدين، وعناوين وأماكن مؤسسات المجاهدين المنتشرة في العالم كـ”مركز الخدمات”، وأسماء بعض مسؤوليه ومهامهم، وأسماء المعسكرات كمعسكر الفاروق، والإشارة إلى اسم (القاعدة)، وكيف تبلور، واستعراض الهيكل التنظيمي لتنظيم القاعدة والتنظيمات والجماعات التي تكونت منها القاعدة كـ”جماعة الجهاد، و”الجماعة الليبية المسلحة”، وأنواع التدريب والأسلحة والأسماء الحركية التي منها اسم جمال نفسه فقد كان اسمه الحركي (أبو بكر السوداني).
الفصل الثاني من صفحة ٤٥ إلى صفحة ١٤٣، يستعرض دخول القاعدة إلى السودان، بدءًا من الزيارة التفقدية ومقابلة الترابي، ومن ثم العلاقة مع الجبهة الإسلامية القومية، وعن تفاصيل البعد الأممي للقاعدة، وعن أعمال بن لادن الاقتصادية الخاصة، وعن استثمارات القاعدة ومؤسساتها الاقتصادية، وعن موقع جمال الفضل من كل هذا. عن أكاذيب الفضل، وعن بدايات الخلاف بين القاعدة ونظام الإنقاذ.. عن سفره إلى إرتريا ومقابلة السفارة الأمريكية هناك… عن يأسه وخيانته وحتى وصول أسرته الصغيرة إليه في أمريكا، وعن نزواته وشهواته. نشير إلى أن هذا الفصل يمثل بلاغة الكتاب، إذ فيه تتبين ملامح شخصية أسامة بن لادن، وصورة القاعدة، وشخصية الفضل. أيضًا يستعرض الفصل ملابسات وضع أمريكا ضمن أهداف القاعدة وإطلاق ما عُرف بـ(الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين)، وقصة صفقة اليورانيوم، وأسماء المنظمات الخيرية التي لها صلة ما بالقاعدة.
الفصل الثالث من صفحة ١٤٤ إلى صفحة ٢٤٦، يستعرض مغادرة الفضل السودان إلى سوريا باسم مستعار هو هشام، ثم إلى الأردن ثم إلى إرتريا في محاولة للالتحاق بالمعارضة السودانية هناك… ذهابه للسفارة الإسرائيلية في أسمرا، تعاطيه الخمر وولعه بالنساء، ذهابه للسفارة الأمريكية والكيفية التي حمته بها السفارة، إعلان أمريكا الحرب على بن لادن.. دخول الفضل أمريكا.. خلع زوجته للحجاب.. ظهور اسم السوداني عبدالباسط حمزة. حكاية مخلفات حرب أفغانستان من الأسلحة وقلق أمريكا بهذا الشأن.. وفاة والده وطفله الرضيع وتفسيره لهذا بأنه انتقام إلهي بسبب خيانته. في هذا الفصل تحضر أمريكا عبر ثقافتها وقوانينها فنقف على محاكمة الفضل، وحجج محامي الدفاع عنه، وعن من ورطهم كالسوداني محمد سليمان المعروف بـ”أبو مصعب السوداني”، وعلى قانون حماية الشهود، وعلى لائحة الاتهام ضد بن لادن.
في الكتاب:
الكتاب وهو يحكي قصة السوداني جمال الفضل، وعلاقته بأسرته وبتنظيم القاعدة وبحكومة الإنقاذ وبالجبهة الإسلامية القومية، وحضور جهاز الأمن السوداني، وبالمخابرات الأمريكية، وبالنساء، كاشفًا عن الخاص والعام في حياته، اتخذ تقنية وأسلوبًا أقرب إلى الرواية، فالكتاب في أحيانٍ كثيرة لا يلتزم بالتسلسل الزمني للأحداث، وفي أحيانٍ كثيرة يصف الأمكنة ذات الصلة بالحدث والشخصيات التي يتحدث عنها، بطريقة أقرب إلى كتابة السيناريو السينمائي، يضاف لهذا الأسلوب الأدبي على مستوى المفردات وبناء الجمل. مما توسّل به الكتاب لإنجاز حكايته، العناوين التي تقوم عليها الفصول، فالعناوين في هذا الكتاب إضافة إلى إمكانية انفتاحها لأكثر من توقّع فقد احتوى كل عنوان فيها على فكرة، أو مقولة، أو حدث، يضيء ما قبله ويمهد لما بعده، ولنأخذ على سبيل المثال عنوان: (عارٌ أنت على بلدك)، الموجود في الفصل الثالث، ففي ما يقوله هذا العنوان سيكون القارئ على درجة عالية من التوتر وهو يقف على حافة لحظة حساسة في علاقة أبو مصعب السوداني مع الفضل.. حافة لحظة يمكن وصفها باللحظة الوجودية، وهي لحظة حصارهما في معسكر (سراقة)، إبان الحرب الأفغانية وصمود وبسالة جمال الفضل ومن ثم المودة التي قامت بينهما، لنرى بعد ذلك استدراج الفضل لرفيقه في حافة الموت تلك ليقع فريسة تحت قبضة أمريكا!
(عارٌ أنت على بلدك)، قالها أبو مصعب وهو يغلق سماعة الهاتف في وجه الفضل الذي كان يحثه على التعاون مع الأمريكان، وقس على ذلك بقية العناوين وما تحمله من إيحاءات كعنوان (كيف نثق في الترابي)، أو عنوان (ابتسم في وجه رجال الأمن).
على مستوى التكنيك وفي أسلوب “قصصي”، يبدأ الكتاب من العام ١٩٩٦ مع جمال الفضل وهو في أسمرا داخل السفارة الأمريكية، ذلك الحدث الذي ستترتب عليه مسيرة الفضل ومسارات الحكاية عبر الاسترجاع، فالكتاب يعود بنا إلى تواريخ قبل هذا التاريخ، مستعرضًا بعضًا من حياة الفضل مع أسرته ومع القاعدة، ومتنقلًا بنا من حدث إلى حدث، ومن قصة إلى قصة، ولأن الأمر يتعلق بقضية طرفيها تنظيم القاعدة وأمريكا، ويتصل بشخص يَدّعي أنه يعرف الكثير كانت (الأدِلَّة)، هي الأساس في هذا الكتاب، ويمكن القول هنا إن الكتاب كان دقيقًا لحد كبير في مقابلة كل دليل بدليل آخر، ليقف القارئ على أكثر من رواية لحدث رواه جمال، وهنا تتجلى مهنية الكاتب فهو يأتي بكل الإفادات (إفادات جمال وإفادات آخرين ممن كانوا شهودًا أو ضالعين فيما أدلى هو حوله)، ومن هؤلاء الآخرين هيئة المحكمة والمحامين، ويلقي بكل هذه الإفادات في بحر الحكاية في تقابل يضيء أقوال الشاهد رقم واحد ويضعها في مسار آخر مما يضع القارئ وكأنه أمام شخصية أشبه بالشخصيات الروائية، وأعني هنا جمال الفضل.
أثر الكتاب:
إذن ما هو الأثر الذي يمكن أن يتركه الكتاب على القارئ/ القارئة؟
صحيح أن الحكاية الرئيسية في الكتاب هي حكاية الشاهد الأول ضد بن لادن جمال الفضل وخيانته لتنظيمه، إلا أن الكتاب أيضًا يحتوي على حكايات محايثة، فهو مثلًا يقدم صورة عن بن لادن، يظهر فيها على درجة من الوداعة والاستقامة الأخلاقية والحكمة والمقدرة على المساومة وإدارة الخلافات بين أعضاء التنظيم، ولا بأس من أن نشير هنا إلى احتجاج بعضهم ضد ما اعتبروه عدم مساواة في الرواتب، بين من يؤدون نفس المهام، أو عندما أشار بعضهم إلى أن الكثير من مشاريع القاعدة في السودان لا تدر أرباحًا معقولة، أو عندما طلب منه الفضل أن يعفو عنه بعد أخذه عمولات.. كل هذه الوقائع تعاطى معها بن لادن باستقامة عالية وبحكمة عظيمة، كما جاء في الكتاب. أيضًا يقدم الكتاب صورة لتنظيم القاعدة يبرز فيها كتنظيم أممي مرن ومعقّد في الوقت نفسه، يوظف المال والإعلام والمعارف الدقيقة، ويخطط بدقة ويتمتع بقدرات تأمينية عالية.. تنظيم يتشاور في القضايا الحساسة الكبرى كقضية التحول من قتال الروس إلى قتال الصليبيين واليهود وحكومات الدول الإسلامية الكافرة.. يقدم الكتاب أيضًا صورة لبعض طرائق عمل الـ CIA و الـ FPI لنقف على عدم الاتساق مع الدعوة لحقوق الإنسان، (التعذيب مثلًا، وانتهاك الخصوصيات الثقافية، كما في حالة نادية زوجة الفضل، فقد قال لها مرافقوها بعد أن تخلت عن الحجاب: (الآن لقد استعدت نادية الحقيقية)! ويقدم صورة للحكومة السودانية عبر حضور أفراد من جهاز الأمن والجيش في تنسيق وتواصل مع القاعدة، ومن جانب آخر يقدم مصداقية وشفافية بعض محامي الدفاع والاتهام.
هنا أقول: إن الأثر الذي قد يتركه الكتاب على القارئ/ القارئة عبر صناعته لهذه الصور، لزعيم القاعدة وللتنظيم، سيكون الإعجاب بزعيم القاعدة، وبتنظيم القاعدة حتى وإن جاء حذرًا، مع كراهية واستهجان لما قام به الفضل، قلما يسمى بالإرهاب جماليات، فمهما قيل عن الإرهاب فستظل شبهة أنه له نسب ما بالمشروعية قائمة وإن على ضفافه تقبع المقاومة، فمن جمالياته أنه يتوفر على التضحية بالنفس والمال والادعاء بأنه ضد الظلمة والطغاة والغاصبين.
أخيرًا أقول: إن حضور جهاز الأمن والمخابرات السوداني جاء خافتًا في الكتاب، وهو ما لم يكن كذلك في الواقع، إذ لا يمكن لأحد أن يتصور حضور تنظيم كالقاعدة للسودان دون رصد وترصُّد الجهاز لهذا الحضور، أيًا كانت طبيعة هذا الرصد والترصُّد، ولعل هذا أكدته الكثير من الوقائع اللاحقة.
أقوالٌ في الكتاب:
جاء في الصفحة قبل الأخيرة من الكتاب قول لمحامي الدفاع في محاكمة تفجير السفارتين في “نيروبي ودار السلام”، هو:
“كانت هناك أجزاء انتقائية في شهادة الفضل، وأعتقد أنها غير صحيحة؛ وأتت للمساعدة في تأكيد صورة أنه ساعد الأمريكيين. وأعتقد أنه كذب في عدد من أقواله حول ماهية المنظمة. هذا جعل القاعدة مثل مافيا جديدة أو شيوعيين جدد، وبالتالي فمن السهل مقاضاة أي شخص مرتبط بتنظيم القاعدة على الأعمال أو التصريحات التي أدلي بها بن لادن”.
تواريخ مهمة:
احتوى الكتاب على تواريخ لأحداث مهمة في الحكاية هي:
١.7 سبتمبر 1996 ذهب جمال الفضل إلى السفارة الأمريكية في أسمرا لتقديم معلومات.
٢.العام 97-98 دخول الفضل أمريكا من القاعدة الأمريكية في ألمانيا.
٣.العام 93 تهريب السلاح لتنظيم القاعدة.
٤.العام 2001 محاكمة تفجيرات السفارتين.
٥/نوفمبر 1998 نجح الادعاء الأمريكي في تقديم لائحة اتهام ضد بن لادن.
٦.العام 1989 تأسيس التنظيم الذي سيتخذ اسم القاعدة من قبل بن لادن وعاطف “ابوحفص المصري”، وأبو عبيدة البنشيري.
٧.العام 89-91 اختيار اسم القاعدة.
٨.من العام 91 إلى العام 96 إقامة القاعدة في السودان.
٩.العام 2000 محاكمة محمد سليمان “أبو مصعب السوداني”.
١٠.من العام 96 وحتى الآن لم يتم صدور حكم على جمال الفضل.
١١.العام 2012 طالب الفضل بمحاكمته.
١٢.في العام 1994 تم فصل الفضل من تنظيم القاعدة.
مراجع وهوامش:
استند الكتاب على مراجع وهوامش كثيرة ومتنوعة باللغتين العربية والإنجليزية، شملت كتبًا، وصحفًا، ومجلات، ومواقع إلكترونية، وإفادات شفاهية، ووثائق رسمية. من هذه المراجع وعلى سبيل المثال نذكر (مستندات مكتب التحقيق الفيدرالي.. مستندات قانونية حساسة”.