عزيزتي سونا، السلام عليك في المبتدأ،

 

وصلني ردك الذي وجد كثير استحسان من مجموعة (عزة)، وهي واحدة من منصات التواصل الاجتماعي، ردك طاف بي إلى مدد بعيدة من عوالم كلنا نجني من ثمارها الآن وحتى أنتم يا سونا، وذلك وقت تعلمت منه الكثير، وانتظري مني أن أحكي لك عنه في رسالة أخرى مفصلة.

اليوم أنا أستحثك أن تحدثينا أكثر، عن زمن طفولتك وعن الجيران، ففي حديثك توثيق لجزء من التاريخ الاجتماعي لحقبة ضاعت مني بسبب هجرتنا التي انفصلنا فيها تماماً عن الوطن، واسميه زمن التيه، إذ لم يكن من السهل التواصل معكم كما هو الحال اليوم.

سونا أشرتِ إلى جيلنا وإشارتك لتاج ذلك الجيل، الشاعر الفحل حميد الذي له أفضال علينا لأنه عبر عنا بلسانه الذرب الشجاع.. وأنا لا أريد أن أسترسل في هذا الحديث لأنني أعرف معزتك له، وعن ماذا قدم كل جيلنا للوطن.. لقد كنتِ دائمة الحديث عما قدّمه أولئك الرجال وفيه الكثير والمفيد في مختلف المجالات، داخل البلاد وخارجها. وربما يأتي يوم نُفرد فيه الحديث عن تلك العطايا.

نحن يا عزيزتي سونا جيل وُلِدَ مع استقلال السودان، وشببنا في زمنٍ نعمنا فيه بما لا يُوصف، كما يقول بعض أعمامك، من رغدِ العيش بموازين ذلك الزمان وببساطة كمان.

لكن قبل أن نستمتع ببواكير شبابنا، سمعنا تلك المارشات العسكرية، ولما سألنا عنها، قيل لنا إن ضابطاً في الجيش اسمه جعفر نميري قاد انقلابًا عسكريًا، ومن يومها تغيّر مجرى النهر في حياتنا، وبدأنا نرى العالم بعين مختلفة. وفي عهد ذاك الجنرال تحوّل الوطن إلى مسرح تتناوب عليه الأحلام والانكسارات، وبين المدّ والجزر، ظلّ جيلنا يزرع ويجتهد، يحلم ويصطبر. والشيء العجيب أن غالبية دول أفريقيا القريبة منا والبعيدة وصلتها عدوة الانقلابات العسكرية، أليس ذلك بالأمر العجيب حقًا؟

نحن جيل تربّى على صوت الإذاعة ثم من بعدها التلفزيون الذي كنا نجلس حوله لنشاهد تلك الوجوه النضرات وهم يتحفونا بحلو الكلام، سجعًا كان أو مغنى وكلنا في حالة انتباه ولكأن على رؤوسنا الطير، دندنا أغاني وردي وعرفنا محجوب شريف، وتفتّح وعينا مع نهوض الوعي القومي، ولكن سرعان ما اصطدم بالواقع حين بدأت الإنقلابات تقطع أوتار الحلم وتغلق أبواب الأمل.. لكننا رغم ذلك لم ننكسر، بل كنا في كل مرة ننهض، نعيد تشكيل الحكاية لكن تغلبنا الخيبات، ثم نعيد الكرّة ونحن نحاول أن نكتب فصولها من جديد، بالحبر والدموع، بالحب والوجع، وبالصبر الجميل. وما ثورتكم المباركة إلا ثمرة من ثمار غرسنا وعندك أغنيات ذلك الفنان المسكون بحب الوطن مصطفى سيد أحمد، وانتِ شاهدة على صدق ما أقول.

عزيزتي سونا، الحديث عن جيلنا بالتأكيد لم يكن يخلو من الخيبات بل الكثير من التعسف، وعودة لحديثك عن شخص مثل حميد أعرف أنه نموذج، ولكن مثله كثر وعلى رأسهم أزهري محمد علي والشاعر الفذ قدال، وغيرهم من الرجال الذين عبروا للحياة الأخرى وتركوا أثراً طيباً، هو حديث عنّا أيضاً، عن ذاكرة جيلٍ بأكمله، عن زمن كان الناس فيه أكثر قربًا من بعضهم، وأكثر صدقًا، وأكثر وضوحًا.

أنا أعرف منك بعض الذي حكيتي لي عنه من من جملوا حياتك وعلى رأسهم والدك وعمك، وقد قيل إن كل فتاة بأبيها معجبة لذا لا تبخلي علينا بما تجود به ذاكرتك الشابه مع عمك الشاعر الرقيق وأيام حى خرطوم 3 أو تلاتة كما يهوى بعض أهلها أن يسموها. أحكي لنا عن مجلسه، عن صلاته بالناس، عن شغفه، وعن ذلك النور الذي يبدو أنه ظلّ يسكنك منذ ميلادك.. كل تفصيلة تروينها عنه، هي في الحقيقة مرآة نرى فيها أنفسنا، ونُعيد عبرها ترميم ذاكرتنا المثقوبة.. خاصة وأن لي في ذلك الحي الخرطومي الزاهر أيامًا زاهيات وليتني قدر لي أن أعيش فيه كثر.. لكن !!

انتظر ردك على رسالتي وأحكي ما تحبين.. تأكدي أنك ستكونين بخير لغواليك…

عثمان يوسف خليل 

المملكة المتحدة 

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أستاذي الجليل الفاضل/عثمان حفظكم الله ورعاكم  أينما كنتم وسرتم وحللتم، والسلام وفائق التقدير والاحترام لإخوتي الأعزاء  أهل العز والشرف آل مجموعة عزة الكرام، وأشكرهم أيما شكر على الإعجاب بقلمي الذي تتلعثم أحرف كلمات الكتابة عن عزة، وإيييه من عزة  وجمال عزة وروعة عزة وعزة عزة العزيزة، التي صدح وشدا بها المغني حين قال *يا عازة الفراق بي طال وسال سيل الدمع هطال. وآخر من قال :-

 عزة النفسِ كوني في العُلا قمـراً..*فالعيش دونك مثل الغصن إن مالا

ما قيمة المرءِ إن ضاعت كرامـته؟                  *فضل الكـرامة يعلو الجـاهَ والمالا 

أظنكم لحظتم كما لحظت أنا أن اسم مجموعتكم الغراء إن نطق بفتح العين عين الروعة والحنان والتحنان، وإن نطق بكسر العين فهي كل المشاعر وأسماها،،، موففين وجميلين يا إخوتي وأخواتي الذوقيين حفظكم ربي ورعاكم والوطن…

أرجع لأستاذي عثمان، سألتني عن أيام طفولتي الغراء وعن قصص جيراننا الكرام، أهل تلاتة كما يحلو لهم النطق والديوم الشرقية الوريفة، لكنني استميحك اليوم عذرًا يااستاذي فلقد طالعت خبرًا ألجم لساني عن النطق من هول المفاجأة !!!…فحواه  كالآتي:

_(بورتسودان 20/7/2025

ينوه جهاز تنظيم الاتصالات والبريد جميع مشتركي ومستخدمي خدمات الاتصالات بأنه سيتم تقييد خدمة الاتصال الصوتي والمرئي عبر تطبيق واتساب في السودان، كإجراءات احترازية للمهددات الأمنية حفاظاً على الأمن القومي والمصالح العليا للبلاد، وذلك اعتبارًا من يوم الجمعة الموافق 25 يوليو 2025، وإلى حين إشعار اَخر.. جهاز تنظيم الاتصالات والبريد).

فعن أي طفولة غراء أحكي لكم وعن أي جيران أحكي؟.. وأنا الآن حاضري حالك السواد، قلبي مليء بالغبن على حال بلادي المهضوم حقها وإنسانها المقهور، إن كان ظل حارسًا لداره تحت زخ الرصاص وقصف القذائف أم إن كان عائدًا طائرًا محلقا كالفراشة يردد “بلادك حلوة أرجع ليها دار الغربة ما بترحم”.. لم يكمل شهرًا واحد من عودته وقد يكون فقط أسبوعًا حتي فوجئ بمثل هذا القرار لا حول ولا قوة إلا بالله.. 

لكنني سأظل أردد كما ردد حاجب أحزاننا زارع آمالنا أستاذنا الجميل رحمة الله الواسعة تغشاه محجوب شريف حين سامر والدته مريم  قائلًا:

*يا والدة يا مريم

طول النهار والليل فى عيني شايلك شيل

لكني شادّي الحيل لا خوف عليَّ لا هم

هاك قلبي ليك منديل الدمعة لما تسيل

قشيها يا مريم

والعسكري الفراق بين قلبك الساساق

وبيني هو البندم … والدايرو ما بنتم

الدايرو ما بنتم.. الدايرو ما بنتم.. الدايرو ما بنتم..

بإذن الله الحكم العدل نصير كل مظلوم، والعاااازة مظلوومة يا أستاذ عثمان.. إلى لقاء قريب، وتحياتي لكم ولـ آل العازة ومن عليها، وأخص مجموعة عزة الحلوة ..

د.ميسون خضر حسين الخضر

20/72025 الدوحة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى