ما قاله وما لم يقله هارون..!
وائل محجوب
* لم يكن خروج أحمد هارون، رئيس المؤتمر الوطني والمطلوب للمحكمة الجنائية الدولية والقضاء السوداني، أمرًا مستغربًا، فكل ما يجري في السودان كان لحزبه فيه الكلمة العليا قبل وبعد اندلاع الحرب في ١٥ أبريل ٢٠٢٣م، وهو كحزب المستفيد الأوحد منها ومن استمرارها، فهي تبقي على حالة اللا دولة، وتبقيه وأمثاله من قادة المؤتمر الوطني الذين أجرموا في حق الشعب، ونهض ضدهم في ديسمبر، طلقاء خارج السجون ويحلمون بالعودة للسلطة، بعدما تصوروا بخرابهم الكبير الذي صنعوه في البلاد مع صنيعتهم الدعم السريع، أنهم قد أعادوا تشكيل المشهد السياسي، وأعادوا بناء عالم من الحقائق البديلة تمحي ما سطرته الثورة من ملاحم، وما فقده أهل السودان من دماء ومقدرات وممتلكات، وما عانوه من نزوح ولجوء.
* في حديثه لرويترز ركز الهارب من العدالة هارون على الحديث عن المستقبل السياسي، متجاهلًا وضعه الذي خرج به من السجن، الذي حسب قوله السابق تعهد كتابة بالعودة إليه حينما يستعاد الأمان، حيث سبب خروجه وقادة المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية بفقدان الأمن نتيجة الحرب، وقال إنهم خرجوا لينخرطوا في الدفاع عن البلاد كذلك، ورأى الناس نتيجة أفعالهم، وما يريدون تحقيقه عبر الحرب، وما قاله يفضح وبوضوح أهداف حزبه من وراء هذه الحرب المدمرة، وهو العودة عبر بوابتها للسلطة، ومواصلة هيمنتهم على البلاد.
* يتحدث هارون عن الانتخابات والسلطة، لأن ذلك مقصد حزبه وحركته الإسلامية من وراء الحرب، لكنه لا يتحدث عن أثر الحرب على ملايين السودانيين الذين تشردوا في أنحاء السودان المختلفة، وفي دول الجوار، وفقدوا عشرات الآلاف من أبنائهم جراء الحرب، ولا يتحدث عن أهل البلاد الذين يقضون يومهم بحثًا عن البليلة والعدسية لسد رمقهم ما بين “التكايات” والمطابخ المركزية، ولا يرى حجم الخراب والدمار الذي طال المصانع والمدارس والمنازل ومؤسسات الدولة، جراء هذه الحرب اللعينة، ولا يشغله أمر إعادة البناء وإصلاح ما دمرته الحرب، ولا يتحدث عن الملايين التي فقدت كل ممتلكاتها وتشردت، فشهوة السلطة والهروب من العدالة والإفلات من العقاب، لديه ولدى قادة حزبه وحركته غالبة على ما عداها، وما من وضع أفضل من استمرار الحرب والهيمنة العسكرية على السلطة تنجيهم من حساب وعقاب الشعب على جرائمهم التي ارتكبوها بحقه.
* لقد أطلق من قبل مدير السجون نداء للمساجين الذين فروا بعد اندلاع الحرب بالعودة للسجون بعد صيانتها واستعادة الأمن، فما الذي ينتظره الرئيس المكلف للمؤتمر الوطني لتسليم نفسه للعدالة إيفاء بالتعهد الذي قطعه على نفسه هو وقادة حزبه والحركة الإسلامية، وما الذي تنتظره السلطات التي تعلم مكانهم بغير شك لإعادتهم للسجون التي هربوا منها، إجابة هذا السؤال وحدها كافية لتبيان لماذا اندلعت هذه الحرب، ولماذا هي مستمرة حتى الآن.
* لقد قاد فساد واستبداد المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية لمصادرة ماضي وحاضر أهل السودان، ويريدون مواصلة حكمهم لمصادرة المستقبل، ومثلما ناهضهم الشعب وهزمهم في ثورة ديسمبر وهزم وحطم حكمهم، لن يستطيعوا النجاح في تدبيرهم مهما توهموا، وسيهزمهم الشعب ولن يفلتوا بجرائمهم وخرابهم طال الزمان أم قصر.