أفق جديد
كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعتزم توجيه جهودها الدبلوماسية المتجددة إلى السودان، في ظل استمرار الحرب الدامية هناك منذ أكثر من عامين، وتعثر محادثات السلام في أوكرانيا وغزة.
ووفقًا لما أوردته الصحيفة، تستعد واشنطن لاستضافة قمة دبلوماسية غدا الاربعاء تجمع وزراء خارجية مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، برعاية وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، في أول تحرك أمريكي رفيع المستوى نحو الملف السوداني منذ عودة ترامب إلى المشهد السياسي.
وقالت مصادر مطلعة على الترتيبات إن المحادثات تهدف إلى صياغة موقف موحد تجاه النزاع المستمر في السودان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، والذي اندلع في أبريل 2023 نتيجة صراع مرير على السلطة. ورفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على القمة أو تفاصيلها.
خلفت هذه الحرب عشرات الآلاف من القتلى، وأدت إلى نزوح نحو 13 مليون شخص داخل السودان وخارجه، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. ورغم المحاولات المتعددة من أطراف إقليمية ودولية لإيجاد مخرج سياسي، باءت جميعها بالفشل، في ظل الانهيار المتكرر لاتفاقيات وقف إطلاق النار خلال عام 2024.
وترى الصحيفة أن تحرك ترامب نحو السودان يأتي بعد محاولات فاشلة لحل النزاعين في اوكرانيا وفي غزة، لكنه يتسلح ببعض النجاحات، أبرزها وساطته في اتفاق سلام أولي بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، جرى التوصل إليه خلال قمة عُقدت مؤخرًا في واشنطن بقيادة مسعد بولس، كبير مستشاري ترامب للشؤون الأفريقية، وحمّى ابنته تيفاني ترامب. وقد اعتبر ترامب هذا الاتفاق مبررًا لحصوله على جائزة نوبل للسلام، حسب تصريحاته.
وفي سياق التقييم الأمريكي للمبادرة، قال كاميرون هدسون، الزميل البارز بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن الجهود الأمريكية في عهد ترامب تتسم بـ”دبلوماسية فوضوية وارتجالية”، مشيرًا إلى الحد الأدنى من التحضير للمفاوضات، والاعتماد على مبدأ “اجمع الأطراف في غرفة وانتظر النتيجة”.
أما خلود خير، مديرة مركز “كونفلوانس” الاستشاري، فوصفت هذه القمة بأنها “أول وساطة مباشرة في عهد ترامب”، لكنها حذّرت من تداعيات ما وصفته بـ”النهج القائم على الصفقات السريعة”، وغياب خبراء سودانيين داخل الإدارة الأميركية نتيجة قرارات سابقة بطرد معظم المتخصصين في الشأن السوداني.
وحذّرت خير من أن “المبادرة تُبنى والطائرة في الجو”، مشيرة إلى أن التسرّع في رسم حلول عسكرية أو اقتصادية من دون إشراك القوى المدنية السودانية، سيؤدي إلى تعقيد المشهد.
واقع جديد على الأرض
وتأتي هذه المبادرة في وقت فرضت فيه قوات الدعم السريع شبه العسكرية واقعًا ميدانيًا جديدًا، عبر إعلانها تشكيل حكومة انتقالية موازية في المناطق التي تسيطر عليها، وفي المقابل، استعادت القوات المسلحة السيطرة على الخرطوم في وقت سابق من العام، لكنها لا تزال تتخذ من مدينة بورتسودان، الواقعة على ساحل البحر الأحمر، مقرًا إداريًا مؤقتًا لها.
ويرى محللون أن إعلان الدعم السريع تشكيل حكومة في نيالا يعكس رفضها التهميش، وسعيها لفرض نفسها كطرف رئيسي لا يمكن استبعاده في أي عملية سياسية مستقبلية. كما أشاروا إلى أن هذه الخطوة تمنحها نفوذًا أكبر في التحكم بتدفق المساعدات الإنسانية والعسكرية.
وذكر تقرير الصحيفة أن قوات الدعم السريع قد تستفيد من تغير موقف الإدارة الأميركية الجديدة لتسهيل حصولها على أسلحة متقدمة، بما في ذلك الطائرات المقاتلة، وهي مسألة تثير القلق في أوساط المراقبين، خاصة في ظل اتهامات وجهتها إدارة بايدن سابقًا لها بارتكاب “إبادة جماعية” في دارفور.
وفي تعليق من أحمد سليمان، الخبير في شؤون القرن الأفريقي في معهد تشاتام هاوس البريطاني، قال إن قوات الدعم السريع تسعى لترسيخ شرعيتها في دارفور وأجزاء من كردفان عبر تشكيل إدارات مدنية، لكنها تفتقد للمصداقية الأخلاقية بسبب ما ارتكبته من انتهاكات واسعة النطاق.
وحذّرت خلود خير من أن التوصل إلى اتفاق بين الجيش السوداني والدعم السريع لا يعني بالضرورة نهاية الحرب، مشيرة إلى وجود عشرات الميليشيات المسلحة التي قد تستغل الفراغ لتعلن إداراتها الخاصة في مناطق سيطرتها. وأضافت أن هذا السيناريو قد يؤدي إلى تفتيت البلاد بشكل أكبر مما حدث في 2011 عند انفصال جنوب السودان.