الخرطوم المنهكة تدهش صحفيًا نيجيريًا بكرم لا تُطفئه الحرب
بقلم: إيمانويل أكينوتو – صحفي نيجيري | عن سلسلة “بطاقات بريدية بعيدة المدى” لـ NPR
في أبريل/نيسان الماضي، زرتُ الخرطوم، العاصمة السودانية التي عاد الجيش للسيطرة على أجزاء منها بعد شهور من المواجهات العنيفة. مدينة كانت ذات يوم من أكثر مدن القارة الإفريقية حيوية، تحولت إلى صورة باهتة من ذاتها، تحمل على وجهها ندوب الحرب.
منذ زيارتي الأولى عام 2020، تغيرت المدينة تمامًا. الشوارع التي كانت تنبض بالحياة أصبحت خالية ومخيفة، والمباني العتيقة تحوّلت إلى هياكل مهجورة بفعل القصف والدمار. ومع ذلك، بقي فيها من اختاروا البقاء، أو من عادوا مؤخرًا ضمن موجة العودة البطيئة لأكثر من ستة ملايين نازح.
خلال خمسة أيام قضيتها هناك، رفقة زميليّ السودانيين، الصحفي عمار عوض والمصور فايز أبو بكر، سعينا للحديث مع أكبر عدد ممكن من سكان المدينة. قابلنا رجالًا ونساءً فقدوا أحباءهم، أو تعرضوا للتعذيب، أو فقدوا بيوتهم وممتلكاتهم. ومع ذلك، استقبلونا في منازلهم المدمرة وكأنهم يستقبلون أصدقاء قدامى، في غرف لا تزال آثار القصف حاضرة في جدرانها.
ما لم يتغير، رغم كل شيء، هو كرم الضيافة السوداني. في كل لقاء، تقريبًا، كانت البداية هي ذاتها: القهوة أو الشاي. القهوة السوداء القوية، أو الشاي الأحمر الثقيل، أحيانًا بنكهة القرفة. كان ذلك الطقس اليومي بمثابة إعلان غير منطوق بأن الحرب قد تأخذ كل شيء، إلا الكرامة والضيافة.
كنت أظن أنني أستطيع احتساء كوبين أو ثلاثة يوميًا على الأكثر، لكن أهل الخرطوم لم يمنحوني هذا الخيار. حتى عندما أعتذر بلطف، كانت تصل صينية أخرى، وأكواب أخرى، وسكر وتمور وماء.
شيئًا فشيئًا، بدأت أوثّق هذه الطقوس بالكاميرا. طقوس بسيطة لكنها مفعمة بالدلالة. أشخاص فقدوا كل شيء تقريبًا، وما زالوا يقدمون ما تبقى – فنجان قهوة، ابتسامة، ودفء إنساني لا يُقهر.