رفع اجتماع الرباعية إلى ديسمبر

تأجيل الحل أم إعادة ترتيب أوراق الصراع في السودان؟

حاتم أيوب

في خطوة مفاجئة أثارت العديد من التساؤلات، تقرر رفع الاجتماع المرتقب للرباعية الدولية المعنية بالأزمة السودانية إلى شهر ديسمبر المقبل. هذا التأجيل، الذي يأتي في وقت يزداد فيه تعقيد الوضعين الأمني والإنساني في السودان، يفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول خلفيات القرار ومدى تأثيره على مسار الحل السياسي في البلاد.

رغم عدم الإعلان الرسمي عن أسباب التأجيل، إلا أن المتابعين للشأن السوداني يلمحون إلى جملة من العوامل التي قد تكون وراءه. فالوضع الميداني لا يزال غير مستقر، إذ تتغير موازين القوى على الأرض بشكل سريع بين الجيش وقوات الدعم السريع، خاصة في الخرطوم ودارفور. هذا الغموض الميداني يجعل من الصعب على القوى الدولية اتخاذ قرارات حاسمة أو دفع الأطراف نحو تسوية دون وضوح في خطوط النزاع.

كما أن تباين الرؤى داخل الرباعية نفسها – بين القوى الغربية من جهة، والخليجية من جهة أخرى – حول كيفية التعامل مع الأطراف السودانية المختلفة، قد يكون ساهم في تعطيل المسار أو دفعه إلى إعادة التقييم. لكل دولة في الرباعية حسابات خاصة، سواء فيما يتعلق بمستقبل الجيش والدعم السريع، أو في دعم مبادرات السلام الإقليمية مقابل المبادرات الدولية.

من جهة أخرى، قد يكون التأجيل محاولة لإفساح المجال أمام مبادرات إقليمية تقودها “إيغاد” أو “الاتحاد الأفريقي”، في ظل الانتقادات المتزايدة لطغيان الصوت الدولي على العملية السياسية في السودان. وهناك أيضًا من يرى أن انشغال القوى الكبرى بأزمات أخرى مثل الحرب في أوكرانيا أو تطورات الصراع في غزة، ساهم في تراجع أولوية الملف السوداني على جدول السياسات الخارجية.

لكن يبقى التأجيل محفوفًا بالمخاطر. فكل يوم يمر دون تقدم في المسار السياسي يعني مزيدًا من المعاناة للسودانيين، سواء من خلال النزوح أو تدهور الأمن الغذائي أو تفكك مؤسسات الدولة. كما أن انتظار اجتماع ديسمبر قد يمنح الأطراف المتصارعة مزيدًا من الوقت لإعادة التموضع ميدانيًا، على أمل تحسين شروطهم التفاوضية لاحقًا، وهو ما قد يُغرق البلاد في موجات جديدة من التصعيد.

في المقابل، قد يُمثل ديسمبر فرصة لصياغة طرح سياسي أكثر نضجًا، خاصة إذا تم تجاوز التردد الدولي، وتم توسيع دائرة التشاور لتشمل قوى مدنية جديدة داخل السودان. ويتوقع مراقبون أن يكون الاجتماع القادم مفصليًا، إما بإطلاق مبادرة حقيقية تقود إلى عملية سياسية شاملة، أو بانكشاف محدودية الإرادة الدولية في التعامل مع واحدة من أسوأ الأزمات في القارة.

 رفع اجتماع الرباعية ليس مجرد تعديل في روزنامة اللقاءات الدبلوماسية، بل يعكس في جوهره مأزقًا دوليًا في التعامل مع ملف معقد وشائك كالسودان. فهل سيكون ديسمبر نقطة انطلاق نحو حل شامل؟ أم أنه سيكون مجرد محطة أخرى في مسلسل التأجيلات الذي يطيل أمد المعاناة ويزيد من تعقيد المشهد؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة .

                        نعود

Exit mobile version