سلاح في كل يد وموت في كل زاوية

 

محمد الفكي: الحكومة تستثمر في الفوضى

 في هذا الحوار الجريء، يكشف عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق، محمد الفكي سليمان، عن الأسباب الحقيقية وراء تمدد الميليشيات المسلحة في الولاية الشمالية، ودور الدولة، والتنظيم الإسلامي، والأجهزة الأمنية في صناعة الفوضى وتسليح المجتمع. ويتحدث عن ملامح مشروع سياسي خطير لإعادة تشكيل مراكز النفوذ في السودان على جثث المواطنين المغلوبين على أمرهم.

 *كيف تقيّم صمت الدولة المركزية ومؤسساتها تجاه تمدد الميليشيات في الشمالية، رغم تورطها في تهريب السلاح والمخدرات وابتزاز المواطنين؟ هل هو تواطؤ سياسي أم ضعف مؤسسي؟

 ما يحدث ليس صمتاً فحسب، بل هو مشاركة سياسية وعسكرية كاملة من الدولة في تفريخ هذه الميليشيات. هذا النهج ظل سائداً لعقود، إذ قامت السياسات الرسمية على قمع الشعب السوداني بالبندقية، وبدلاً من بناء الدولة، استثمرت الأنظمة المتعاقبة في زرع الانقسام وتأجيج الصراعات التاريخية.

عندما تصاعدت مطالب المواطنين في مناطقهم المختلفة، لم تواجهها الدولة بالحوار أو التنمية، بل جندت خصومهم التاريخيين، ومولتهم بالمال والسلاح لقتال جيرانهم. بهذه الطريقة تحوّلت البلاد إلى ميدان من الصراعات القبلية التي ترعاها وتنسقها السلطة المركزية، وما يحدث اليوم في الشمالية هو فصل جديد من مسلسل بدأ في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وغيرها.

 *يُقال إن هناك شخصيات سياسية تلعب دوراً في دعم الميليشيات… هل ظهرت مؤشرات على ذلك خلال وجودك في مجلس السيادة؟

 خلال الفترة الانتقالية القصيرة، لم يكن هناك سعي لتكوين ميليشيات. بل على العكس، توقّف صوت السلاح، وبدأنا خطوات حقيقية نحو السلام، ووقعنا اتفاقات مع مجموعات مسلحة كبيرة، بينما توصلنا مع أخرى إلى وقف إطلاق نار في طريقنا لاتفاق شامل.

كان الرهان وقتها على العمل السياسي المدني، وفتحنا الساحة أمام الأحزاب ولجان المقاومة والمجتمع المدني، وتمكّنا من تأسيس مشهد سياسي جديد لا مكان فيه للبندقية. أذكر أنني زرت اعتصاماً حاشداً في مدينة الجنينة في فبراير 2021، وقلت للمعتصمين إنني سعيد باعتصامهم رغم أنه ضد الحكومة التي أنتمي إليها، لأنني رأيت بعيني رهاننا المدني يثمر في منطقة لم تعرف سوى لغة السلاح لعقدين.

أقمنا حواراً امتد لثمانية أيام، جلسنا فيه لساعات طويلة، نستمع لكل صوت وكل رأي، من الفجر حتى منتصف الليل. شعرت وقتها بقوة الجماهير وجبروتها، وكان ذلك أحد أعظم الانتصارات السياسية التي عايشتها.

 *ميليشيا “أولاد قمري” تحوّلت إلى قوة مسلحة تسيطر على المدن والطرق. لماذا لا تتدخل الحكومة لنزع سلاحها ومحاسبة قادتها؟

 لأن الحكومة لا تريد نزع السلاح. هي ببساطة المنسق العام للفوضى، وتغذّي حالة الفزع في الشارع. في ظل الفوضى، تتوقف الأسئلة الكبرى، ويُجهض الوعي، وتُمنع المحاسبة.

اليوم، هذه الحكومة لا تلتزم بأي مسؤولية: لا رواتب، لا تنمية، لا خدمات. الأموال تُوجّه بالكامل للقتال، والفساد مستشرٍ على رؤوس الأشهاد، ولا أحد يجرؤ على الاعتراض، فاتهامك بالتعاون مع العدو جاهز..

هذا هو الواقع الذي تريده السلطة: سلاح في كل يد، وموت في كل زاوية، وفوضى تعفيها من أي التزام تجاه الناس.

 *هل ترى أن ما يحدث في الشمالية جزء من مشروع أكبر لإعادة تشكيل مراكز النفوذ في السودان؟ ومن المستفيد؟

 بكل وضوح: نعم، ما يحدث مخطط له بعناية. المستفيد الأول هو الأجهزة الأمنية، ومن خلفها التنظيم الإسلامي الذي أشعل الحرب ويغذيها باستمرار. كلما خفتت نارها، سارعوا لإشعالها مجدداً، بدماء السودانيين المستضعفين.

الإسلاميون يعرفون تماماً أنهم لا يستطيعون العودة إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع أو رضا الناس. كما أن الأجهزة الأمنية لم تعد قادرة على قهر السودانيين كما في السابق، ولذلك أصبح الرهان الوحيد لهم هو استمرار الحرب. ولن يتوقفوا عن القتال حتى النهاية، حتى لو أدى ذلك إلى إحراق كل البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى