أفق جديد
المحن لا تأتي فُرادى على الشعب السوداني، الذي تجرع المأساة مرتين؛ الماء والنار، فما قد تخلفه السيول والفيضانات من دمار يضاهي ما يحدثه الرصاص والقذائف في جدران المنازل.
مؤخرًا هطلت الأمطار التي عادة ما تؤدي إلى سيول وفيضانات، مع ازدياد مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه، في ظل توالد البعوض وتراكم النفايات.
ويستمر موسم الأمطار الخريفية الغزيرة في السودان في الفترة ما بين من يونيو وأكتوبر من كل عام.
بالنسبة إلى المواطن، عبد الوهاب الربيع، فإن هطول الأمطار بغزارة يزيد معاناة الناس في ظل استمرار الحرب، مع النقص الحاد في الكهرباء والمياه الصالحة للشرب وشح الدواء.
وقال الربيع في حديثه لـ”أفق جديد”: “نتخوف من الأمطار الغزيرة والفيضانات في مدينة سنار التي تؤدي إلى انهيار المنازل، في العام الماضي شهدت عدة مناطق كارثة حقيقية بسبب الأمطار، وغادر المواطنون منازلهم التي غمرتها المياه ولجأوا إلى نصب الخيام على طرق الأسفلت”.
من جهته يقول المواطن، خالد حسن، من منطقة “ود صافي” القريبة من مدينة الهدى بولاية الجزيرة: إن “السيول والفيضانات عادة ما تشرد أعدادًا كبيرة من المواطنين الذين يقطنون على شريط النيل الأزرق، بسبب ارتفاع مناسيب مياه النيل بعد هطول الأمطار في الهضبة الإثيوبية”.
وأوضح حسن في حديثه لـ”أفق جديد”، أن “موسم الأمطار مشكلة متكررة تواجه المواطنين في كل عام، وفي ظل استمرار الحرب نأمل أن تلتفت المنظمات الإنسانية إلى الوضع المتدهور لتخفيف وقع الكارثة”.
وأضاف بالقول: “مياه الأمطار غمرت منطقة ود صافي بالقرب من مدينة الهدى بولاية الجزيرة، ما أدى إلى انهيار كلي وجزئي في المنازل”.
وتابع: “توالد البعوض أدى إلى انتشار الملاريا والحميات، ما أدى بدوره إلى تعقيد الأوضاع الصحية في المنطقة”.
إلى ذلك تسبب تراكم المياه بسبب هطول الأمطار في مدن كوستي ومدني والحاج عبد الله ومناطق أخرى، وفق شهود عيان، في انتشار البعوض والحشرات السامة التي أصابت المواطنين بحروق في الجلد.
يقول المواطن محمد الحسين من منطقة الحاج عبد الله لـ”أفق جديد”: “انتشرت الحشرات السامة التي تفرز سائلًا حارقًا، وسرعان ما يصاب جلد الإنسان بتقرحات كبيرة تستدعي العلاج”.
وخلال اليومين الماضيين أصدرت الهيئة العامة للأرصاد الجوية في السودان، عبر وحدة الإنذار المبكر، تحذيرًا من المستوى البرتقالي بشأن توقعات بهطول أمطار غزيرة مصحوبة بعواصف رعدية خلال الفترة المسائية في عدد من الولايات.
ودعت الهيئة المواطنين إلى اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لتفادي المخاطر المرتبطة بالفيضانات والسيول. التحذير شمل ولايات شرق سنار، غرب شمال كردفان، جنوب شرق غرب كردفان، جنوب شرق شمال دارفور، ولاية وسط دارفور، وأواسط وجنوب ولاية النيل الأزرق، حيث أشارت الهيئة إلى أن مستوى الخطورة في هذه المناطق مرتفع، ما يستدعي استعدادًا عاجلًا من السكان والجهات المعنية.
الهيئة دعت المواطنين إلى فتح الخيران والمصارف لتصريف المياه، وتجنب عبور مجاري المياه سريعة الجريان سواء سيرًا على الأقدام أو باستخدام المركبات، مهما بدت ضحلة، وشددت على أهمية التعاون المجتمعي في نشر التحذيرات لضمان سلامة الجميع.
وأوضحت الهيئة في نشرتها أن منخفض الهند الموسمي يغطي معظم أنحاء البلاد، فيما يمر الفاصل المداري بشمال بورتسودان، عطبرة، جنوب أبو حمد، دنقلا، وشمال الفاشر، ما يعزز فرص هطول الأمطار في مناطق واسعة.
وتشير التوقعات إلى استمرار فرص هطول الأمطار في معظم أنحاء البلاد، مع انخفاض في درجات الحرارة العظمى على ساحل البحر الأحمر وأقصى الشمال وجنوب شرق البلاد، وارتفاعها في شمال الأوسط والجنوب والغرب.
الهيئة حذرت من عواصف رعدية وأمطار غزيرة متوقعة في شرق وجنوب النيل الأزرق، جنوب غرب جنوب كردفان، جنوب شرق غرب كردفان، وأجزاء من جنوب شرق شمال دارفور، ووسط دارفور، إلى جانب أمطار متوسطة إلى غزيرة في القضارف، سنار، شمال وغرب النيل الأزرق، غرب شمال كردفان، جنوب وغرب كردفان، جنوب شمال دارفور، وشمال جنوب دارفور.
كما توقعت الهيئة أمطارًا خفيفة إلى متوسطة في جنوب كسلا، الجزيرة، النيل الأبيض، شمال كردفان، وشرق وجنوب وغرب دارفور.
وكشفت لجنة طوارئ الخريف بوزارة الصحة في السودان، الأحد، عن تأثر 21 منطقة على الأقل بالأمطار والسيول.
ويتوقع مركز المناخ في منظمة الإيقاد أن يشهد السودان هطول أمطار أعلى من المتوسط هذا العام، مما يزيد من خطر تفشي الأمراض المنقولة بالمياه في ظل الدمار الواسع الذي لحق بالنظام الصحي جرّاء النزاع.
وقالت اللجنة، في بيان، إن 14 محلية و21 منطقة تأثروا بهطول الأمطار الغزيرة والسيول في ولايات القضارف والجزيرة ونهر النيل ووسط دارفور.
وكشفت اللجنة عن تضرر 133 أسرة من الأمطار والسيول خلال الفترة من 30 يوليو إلى 1 أغسطس الحالي.
وأوضح رئيس اللجنة الفنية لطوارئ الخريف، خالد الجمري، أن اللجنة عقدت اجتماعًا ناقش التطوّرات في موسم الأمطار وموقف الاستعداد في الولايات، والتنسيق بين القطاعات الحكومية والشركاء والمجتمع.
وأشار إلى أن وكيل وزارة الصحة، هيثم محمد إبراهيم، طلب من اللجنة إعداد تقرير تفصيلي عن موقف الاستعداد، وتوضيح المتوفّر من الاحتياجات، وتحديد الفجوات.
ورغم أن موسم الأمطار يمثل كابوسًا لسكان المدن في ظلّ رداءة البنية التحتية وعدم تصريف المياه، إلا أنه يُعتبر مصدر دخل لملايين السودانيين الذين يعملون في الأنشطة الزراعية المختلفة، بدءًا من تحضير الأرض وصولًا إلى الحصاد.
وترتفع معدلات سوء التغذية خلال موسم الأمطار في الفترة من يونيو إلى أكتوبر، الذي يُعرف بموسم الجفاف، الذي يأتي بعد استنفاد معظم الأسر مخزوناتها الغذائية من المحاصيل التي تُحصد في خواتيم كل عام.