الفاشر خارج حسابات الإخوان: عقيدة عابرة للحدود تسقط الوطن

 

حاتم أيوب أبو الحسن 

في لحظة تتكثف فيها المأساة الإنسانية بمدينة الفاشر، يختار الإخوان المسلمون الصمت، ليس عن عجز، بل عن قناعة سياسية وفكرية. هذا الصمت ليس فراغًا في الموقف، بل موقف بحد ذاته، يعكس طبيعة مشروعهم الذي لا يرى في الوطن إلا ساحة مرحلية تخدم غاية أكبر: الأمة الإسلامية المجرّدة التي يتجاوز ولاؤها الحدود.

الفاشر، بكل دمائها ومعاناتها، لا تندرج ضمن أولويات الجماعة. فالملف لا يمنحهم رصيدًا جماهيريًا واسعًا، ولا يخدم صراعهم مع خصومهم الأيديولوجيين على المستوى الإقليمي. في المقابل، غزة تمنحهم منصة خطابية مثالية، توحد جمهورهم خلف قضية كبرى تُستثمر سياسيًا وإعلاميًا، وتحقق لهم مكاسب في معركة الشرعية.

المشهد السوداني يزيد الأمر وضوحًا. الجماعة تتحرك بحذر وسط صراع مفتوح بين الجيش وقوات الدعم السريع وبقايا الحركة الإسلامية. أي انخراط مباشر في ملف الفاشر يعني الدخول في مواجهة مع قوى مسلحة قد يحتاجونها أو يتحالفون معها مرحليًا. البراغماتية هنا تحكم القرار بقدر ما تحكمه العقيدة.

إقليمياً، الجماعة تراعي توازنات داعميها الذين لا يرون في دارفور سوى نزاع محلي محدود التأثير، بينما يعتبرون غزة ورقة ضغط إقليمية ورمزًا موحدًا للخطاب السياسي الإسلامي. هذا التقييم البارد يجعل دماء الفاشر أقل أولوية في ميزان الحركة، مهما بلغ حجم المأساة.

لكن هذا الصمت يكلّفهم سياسيًا. فهو يعزز الصورة الراسخة عنهم كقوة لا تمتلك مشروعًا وطنيًا، بل تنتمي إلى مشروع خارجي الهوى، لا يحركه إحساس بالمصير المشترك بقدر ما تحركه أجندات فوق وطنية. في المدى الطويل، هذا الانحياز يقوض قدرتهم على كسب ثقة السودانيين، ويعمّق الهوة بينهم وبين القاعدة الشعبية التي يدّعون تمثيلها.

الفاشر تكشف اليوم جوهر المعادلة: وطن بلا أولوية، عقيدة بلا جغرافيا، وتنظيم يقيس الدماء بميزان السياسة لا الإنسانية. وفي هذا المشهد، يصبح الصمت ليس فقط فضيحة أخلاقية، بل دليلًا سياسيًا على أن السودان، في نظر الإخوان، ليس سوى محطة على طريق مشروع آخر.

                                نعود

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى