مرضى الفشل الكلوي في عطبرة..
بين سندان الفقر ومطرقة انعدام الدواء
“مستشفى بلا عنابر، أدوية مفقودة، ومرضى يقطعون مئات الكيلومترات بحثًا عن جلسة غسيل تنقذ حياتهم”
نهر النيل: لبنى عبدالله
في قلب مدينة عطبرة، يخوض مرضى الفشل الكلوي معركة يومية للبقاء، حيث المعاناة المستمرة بدءًا من آلام المرض لتتسع وتشمل ندرة الدواء، وغياب العنابر، وعبء تكاليف المواصلات الباهظة.
مستشفى عطبرة التعليمي” الذي بات الملاذ الأخير لمئات المرضى من ولايات نهر النيل والخرطوم ودارفور، يقف اليوم على حافة الانهيار تحت ضغط الأعداد المتزايدة وغياب الموارد، فيما يظل المرضى عالقين بين سندان الفقر ومطرقة الحاجة إلى جلسة غسيل قد تعني الفرق بين الحياة والموت.
كشفت زيارة (أفق جديد) للمستشفى عن افتقاره لعنابر تخص مرضى الفشل الكلوي عدا غرفة للغسيل، وأفادت “المترون” المسؤولة عن قسم أمراض الكلى، عن “ضعف السعة الاستيعابية للمرضى في ظل التردد العالي بعد الحرب.
وأوضحت أن القسم يستقبل 6 مرضى يوميًا بقسم الطوارئ، مع وجود 358 مريضًا دائمين، واشتكت من نقص بعض العلاجات.
وبسؤال عدد من مرضى الفشل الكلوي بمستشفى عطبرة، جاءت إجابتهم متقاربة: “غلاء أسعار الأدوية، وعجزهم عن توفيرها، وانعدام حقن الحديد”.
غرف الغسيل
تقول المريضة خالدة لـ(أفق جديد): “أعاني من مرض الفشل الكلوي منذ خمسة أعوام، ولكن نسبة للظروف الاقتصادية الضاغطة أحيانًا لا يتوفر لدي ثمن الوصول إلى المستشفى لتلقي جلسات الغسيل”.
واستطردت قائلة: “أسكن بقرية دار مالي، وأحتاج لمبلغ (30) ألف جنيه للذهاب والإياب، بالإضافة لارتفاع أسعار الأدوية”.
وبصوت متحسر وحزين تضيف خالدة: “مرضى الفشل الكلوي لا يجدون الغذاء الجيد، وينتظرون يومهم بسبب الفقر والأوضاع الاقتصادية الضاغطة”.
وجه آخر للمعاناة
يقول المريض محمد حسن: “أحضر للغسيل من منطقة أم الطيور غرب النيل، وأحتاج لمبلغ (50) ألف ذهابًا وإيابًا، ولكنني لا أملك هذا المبلغ، وأضطر أحيانًا البقاء بالقرب من المستشفى، بإيجار سرير خارجها، وعندما أتعب أعود إلى منزلي”.
وأضاف: “أحيانا أتخلى عن الغسيل بسبب غلاء أسعار الأدوية، وانعدام حقن الحديد والهيبرين”، وزاد: “نناشد الخيرين لمساعدة مرضى الفشل الكلوي لأنهم من الطبقات الفقيرة والمعدمة”.
مسؤولة قسم أمراض الُكلى
ذكرت مترون ليلى مصطفى قرشي، المسؤولة عن مركز غسيل الكُلى بمستشفى عطبرة التعليمي، أن هنالك تحديات تواجه المركز، فيما يتعلق بزيادة عدد المترددين في اليوم للمركز بمستشفى عطبرة التعليمي بعد الحرب.
وأضافت أن “تضاعف التردد اليومي لمرضى الفشل الكلوي عقب الحرب ليصبح 3 أضعاف قبلها، إذ كان عدد المرضى وقتها بمستشفى عطبرة حوالى (121) مريضًا من المترددين، وهم من مدينة عطبرة”.
وتضيف: “أما بعد الحرب العدد تضاعف حتى وصل إلى 358 مريضًا بالفشل الكلوي”، على حد قولها.
وأكدت قرشي أنه نتيجة لهذه الزيادة الكبيرة، تم فتح ورديات إضافية والعمل على توسعة المركز من خلال افتتاح غرفة جديدة بعدد 6 ماكينات.
وأضافت: “عدد الماكينات بالمركز 28 ماكينة غسيل، على النحو التالي عدد (2) ماكينة فيروسات معزولة، وعدد 26 ماكينة نظيفة”.
وأوضحت: “بالنسبة لعدد الورديات نعمل ثلاث ورديات غالبًا، وفي نهاية الأسبوع إذا كان التردد كبيرًا يتم برمجة يوم الجمعة في الورديات، ولدينا عدد (2) ماكينة طوارئ، و(2) ماكينة فيروسات(BوC)”.
وأشارت قرشي إلى أن المستشفى يستقبل كل حالات الطوارئ بولاية نهر النيل نسبة لوجود اختصاصيي الكُلى بمستشفي عطبرة.
وأضافت: “نستقبل يوميًا ما بين 6 إلى 5 حالات طوارئ، وبعد أن يتم استقبالهم يتم توزيعهم على مراكز الغسيل في الولاية”.
وبالنسبة للتحديات والمشاكل تقول قرشي: “هنالك نقص كبير جدًا في المعينات العلاجية المصاحبة لعمليات الغسيل، مثل المحاليل الوريدية (الدربات)، ودواء الهيبرين، وحقن الايبركس، خاصة (الدربات) فيها نقص كبير جدًا لدرجة أن المرضى يلجأون إلى شرائها”.
وتشير إلى أنه من وقت إلى آخر توفر عدد من المبادرات الشبابية (الدربات)، وباقي المستهلكات يتم توفيرها مجانًا من مركز جراحة وغسيل الكُلى.
وضع كارثي للأطفال
تواصل المترون ليلى عباس قرشي بقولها: “من أكبر المشاكل التي تواجهنا هي مرضى الفشل الكلوي من الأطفال، إذ لا يوجد لدينا قسم متخصص للأطفال، ولا يوجد اختصاصي أطفال، مع عدم وجود كادر متدرب التعامل مع الحالات المرضية للأطفال”.
واستدركت قائلة: “بالرغم من ذلك المستشفى يستقبل الأطفال كحالات مرضية، ولكن للأسف استقبل المستشفى قرابة (8) حالات توفوا جميعهم باستثناء طفل واحد بقي على قيد الحياة”.
وتشير إلى أنهم في المستشفى يعانون في وضع جداول ثابتة بمعدل غسلتين لكل مريض، بسبب كثرة الأعداد، فالمستشفى يستقبل الوافدين من ولايتي الخرطوم والجزيرة، فهم رغم توقف الحرب هناك لم يعودوا إلى ولاياتهم لتلقي العلاج. ولديهم أسباب متفاوتة فالبعض يذكر أن مراكزهم لم تعد للخدمة، وآخرون يقولون إن انعدام خدمات المياه والكهرباء تقف عائقًا في طريق عودتهم، إضافة إلى عدم وجود مصادر دخل بولاية الخرطوم، كلها أسباب تجعل المرضى يتلقون العلاج بمستشفى عطبرة.
وتبرز مشكلة أخرى أدت إلى زيادة الضغط على مستشفى عطبرة، وهي استقبالها لمرضى من ولايات دارفور. وتقول المترون ليلى: “لقد استقبلنا هذا الأسبوع من مدينة الفاشر خمسة مرضى، واثنين من الضعين، واثنين من مدينة الأبيض، وهؤلاء استقبلناهم في قسم الطوارئ”.
وأضافت: “لا نجد مساحة في الجداول لبرمجة المرضى القادمين من دارفور وكردفان لجلسات الغسيل خلال الأسبوع، نسبة إلى الضغط العالي، واكتمال السعة الاستيعابية الكاملة للمركز”.
وتتابع: “حاليًا لا نستطيع توفير 3 غسلات للمريض الواحد، بسبب ظروف المركز والضغط العالي، ونوفر فقط غسلتين في الأسبوع لكل مريض، وبعضهم يجد غسلة واحدة حتى لو كانت حاجته لغسلتين. وفي حال كانت ماكينة قسم الطوارئ متاحة نتواصل مع المريض، ونطلب منه الحضور لإجراء الغسلة الثانية”.
تعتبر قرشي أن المرضى يعانون لأنهم لا يعرفون متى يمكنهم الحصول على فرصة للغسيل، وهذا يترك أثرًا سيئًا في أنفسهم.
وتضيف: “من جانبنا، نتابع معهم بالتلفون متى ما سنحت فرصة نضعهم في جدوال ثابتة”. وأكدت: “لا نترك المريض حتى لو اضطررنا لفتح وردية بدوام إضافي”.
وأشارت إلى أن هنالك خيرين يقومون بمساعدة المركز من خلال توفير بعض الاحتياجات، بالإضافة لمبادرة شارع الحوادث، وحتى العالمين بالمركز أحيانًا يتبرعون لشراء بعض الأدوية التي يحتاجها المرضى، مشيرة إلى أنه لا توجد عنابر لمرضى الفشل الكلوي، فقط غرف الغسيل.
وأردفت قرشي: “120 مريضًا في الشهر يستقبلهم مستشفى عطبرة، الأسرة السابقة كانت بحالة متردية، ولكن هنالك منظمة تبرعت للمستشفى بعدد من الأسرة الجديدة”.
وختمت بقولها: “نطالب الخيرين لزيارة المركز ليقفوا على حاجة المرضى في ظل الظروف الاقتصادية، كما يعجز بعض المرضى في الوصول إلى المركز بسبب عدم توفر قيمة المواصلات”.