المشنقة للشرفاء : “يوا”وصمة في وجه القضاء المسيس

أفق جديد

يصدر القاضي حكماً بالإعدام على الشابة من حي “المزاد” البحراوي “ايوا”، وذلك قصاصاً عن تهمة التعاون مع قوات الدعم السريع، التي كانت تحتل الحي وتحاصر سكانه في وقت سابق.

 “ايوا” التي كانت تجلب المياه للعالقين وسط الموت حينها، وتطبخ الطعام للجوعى، وتستغل ما تبقى من زمنها وقدرتها في تعليم الأطفال، يمكن أن يتدلى رأسها من على حبل المشنقة.

بينما آخرون تسنموا مناصب في ما أسمته قوات الدعم السريع إلادارة المدنية للخرطوم يجلسون وسط أبنائهم ولم يمسهم سوء، وعلى رأسهم رئيس الإدارية المدنية بالخرطوم بابكر عبد اللطيف، وكذلك عدد من مستشاري قائد الدعم السريع أعلنوا استقالتهم من الدعم السريع، واستقبلتهم بورتسودان بالحفاوة وفتحت لهم الأبواب وعقدت لهم المؤتمرات الصحفية.

كما أن هناك من حمل السلاح وقاتل مع الدعم السريع وعاد لحضن الجيش لاحقًا واستقبل استقبال الفاتحين.

مشهد “ايوا التي قالت إنها لم تكن متعاونة مع “الدعامة” وإنما مجبرة للتعايش معهم بغية توفير الحد الأدنى للحياة لها ولأهل المزاد، مع مشهد عبد اللطيف الذي اختار أن يكون جزءًا من سلطتهم في الخرطوم، وعاد لتستقبله سلطات بورتسودان، يعيد طرح السؤال حول ماهية وكيفية “التعاون”؟ وبالطبع سؤالًا آخر حول سريان القانون نفسه في مواجهة الأشخاص، من يُحاسب ومن يتم تكريمه واستقباله؟

في المقابل فأن المشهدين يكشفان النقاب عن القانون في زمن “الكرامة”

في قضية “ايوا” يتحدث الجيران عن توظيف القانون في تصفية الخلافات وتحويله لمجرد أداة تمكن المحاسيب من الهروب من دفع فواتير إجرامهم .

 وتنفي الشهادات المتداولة عنها تهمة التعاون مع الدعم السريع، وتؤكد أن ايوا لم تكذب ولم تسرق ولم تخن، بل ظلت على الدوام واقفة مع الحق، وإن التهمة كاذبة ومبنية على الحقد والافتراء، وهي محاولة من أشخاص تمت تسميتهم بأنهم حاولوا الزج بها من أجل الهروب من الجرائم التي ارتكبوها، وإنهم في سبيل ذلك قاموا بشراء شهادات أشخاص من أجل لف حبل المشنقة حول عنقها من أجل التغطية على جرائم “شفشفتهم”.

وهو ما أشارت إليه ايوا في تسجيل صوتي استمتعت إليه “أفق جديد” حددت من خلالها أسماء الأشخاص.

 فيما أكدت الأخبار عن توقيف عبادة حسن، أحد شباب الحي ممن استنفروا مع الجيش، بعد أن سجل فيديو ينتقد فيه الحكم المفارق لكل قيم العدالة، وينعي من خلاله القانون، حيث اعتبره عارًا على العدالة ومقدمة على استحالة إصلاح الأوضاع في البلاد.

بقعة الدم التي تتدفق من جسد “ايوا” في حال إعدامها لن تعلق فقط بقميص القاضي الذي أصدر الحكم، وإنما ستلوث كامل عملية “العدالة” في البلاد، وهو أمر يبدو واضحاً للعيان في واقع سودان اليوم، حيث لا يبدو القانون أكثر من كونه أداة يستخدمها البعض لتحقيق غاياته ومراميه الخاصة .

 فمثلاً عملية عدم الاستماع لشهود النفي في جريمة عقوبتها الإعدام سلوك يمد لسان سخريته من كل حالم بتحقيق العدالة، وهي حالة تتطابق مع ما أطلق عليه عصر الظلمات القانوني الذي تعيشه البلاد، وهو ما جعل البعض يوجه أصابع اتهاماته نحو القضاة بالتحيز والتواطؤ السياسي دون أن تغيب اتهامات السلطة القضائية بالفساد ومعها النيابة العامة.

في الوقت الذي حملت فيه لجان مقاومة بحري القوات المسلحة والكتائب الإسلامية المقاتلة معه كاملة مسؤولية سلامة “عبادة حسن”، وطالبت بالإفراج الفوري عنه.

بالتزامن أصدرت تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم بياناً أدانت فيه الجيش وحملته مسؤولية وفاة عضو لجنة مقاومة أم درمان جنوب خالد الزبير، وتوفي خالد الزبير داخل معتقلات استخبارات الجيش بعد أن تم توقيفه لعام وتسعة أشهر، بعد أن تم القبض عليه من منزله بالفتيحاب مربع 9، حيث كان قائماً على لجان الطوارئ بالحي قبل أن يتم حبسه في سلاح المهندسين.

في السياق نعى الحزب الشيوعي السوداني منطقة أم درمان “خالد الزبير”. وقال في بيان صدر يوم السبت أن عضو الحزب بمدينة أم درمان جنوب اغتالته أيادي الاستخبارات العسكرية الملطخة بدماء الشرفاء، وندد الحزب بمن وصفهم بالقتلة، مردفاً أنه لا تراجع ولا مساومة وأن ساعة القصاص آتية لا محالة.

مشهد اغتيال خالد الشهير بـ “أستي” لا يبدو معزولاً عن سلوكيات الاغتيالات التي نفذتها الأجهزة النظامية في معتقلاتها، حيث تجري محاكمة الآن في منطقة المناقل بالجزيرة لمجموعة نظاميين اغتالوا رئيس فرعية حزب المؤتمر السوداني أثناء توقيفه، وهي مشاهد تضاف لمشاهد الاغتيالات التي تم تنفيذها بواسطة قوات الإسلاميين المناصرة للجيش، التي استهدفت بشكل رئيسي منسوبي لجان المقاومة المناصرين لثورة ديسمبر، وهو ما يعزز من الفرضية القائلة إن القانون يتم توظيفه لخدمة الأجندة السياسية.

في خضم قانون الحرب السائد في سودان اليوم يمكنك أن تشتري إدانة شخص مثلما يمكنك أن تدفع قيمة براءاتك من أي تهمة، وهو سلوك يطلق عليه شعبيًا لفظ “الدرون”، وهو السلوك الذي انتهجته قوات الدعم السريع أثناء فترة سيطرتها على الخرطوم والجزيرة، حيث يقوم الموقوف بدفع المال من أجل حريته وهو ذات السلوك المتبع الآن في ظل سيطرة الاستخبارات من جانب وفي جوانب أخرى الجماعات المرتبطة بالمؤتمر الوطني، مقروناً ذلك بغياب شبه تام للنيابة العامة وللشرطة التي تجد نفسها في كثير من الأحيان في مواجهة غضبة المسلحين الساعين لتنفيذ قانونهم الخاص ولحماية منسوبيهم من الاعتقال، ما يدلل على ذلك المواجهات التي شهدتها المنطقة المحيطة بمستشفى النو قبل فترة وسقط بموجبها عدد من الضحايا النظاميين.

بالنسبة للكثيرين فإن ما يجري الآن يعبر عن حالة اضمحلال الدولة التي فتحت الباب على مصراعيه لصعود الانتهازيين والفاسدين، وبالطبع في ظل سيادة نمط “العنف” الناتج عن الحرب يبقى الحديث عن قانون وعدالة حالة من الترف لا يمكن تحصيلها في سودان “بل بس” وسودان سطوة المليشيات وسلاسة الانتقال بين مكوناتها بسهولة مطلقة، فمن كان بالأمس دعامي متمرد على الدولة تحول لـ “دراعي” مدافع عن الدولة، وفي الحقيقة هو ينتقل في المساحة التي تحقق له مصالحه الذاتية عبر قانونه الخاص المحمي بسلاحه الخاص. في ظل هذه الظروف ليس غريباً أن ترى حبل المشنقة ملتفًا حول عنق “ايوا” بالتزامن مع تكبير من اشترى موتها بماله المسروق.

 كما أنه الخبر ليس في أن يموت خالد في معتقلات استخبارات جيش قام لحمايته، الخبر هو أن يخرج من هناك وهو على قيد الحياة.

في زمن قانون الكرامة الذي يشتري الإدانة والبراءة معاً 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى