الاضطرابات في السودان تمنح تنظيم القاعدة فرصة لإعادة التمركز والانطلاق
بقلم: ويلي فوتري
منذ تسعينيات القرن الماضي، شكلت الأراضي السودانية ملاذًا آمنًا للجماعات الإرهابية، حين استضافت تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن لخمس سنوات قبل عودته إلى أفغانستان. وحتى اليوم، لا يزال التنظيم يمثل تهديدًا ماديًا وأيديولوجيًا للسودان، وسط مخاوف متجددة من أن تتحول البلاد مجددًا إلى نقطة انطلاق لموجة جديدة من الإرهاب. ويبرز خطر إعادة ترسيخ وجود القاعدة في السودان، لا سيما عبر صلات محتملة مع القوات المسلحة السودانية، كتهديد لأمن البلاد والمنطقة والعالم بأسره.
في عام 1991، غادر بن لادن أفغانستان ليستقر في السودان، حيث أسس شركة “وادي العقيق” التي قُيل إنها وفرت تمويلًا للقاعدة. وقد سمح له تداخله مع السلطات السودانية آنذاك بإقامة معسكرات تدريب وزراعة محاصيل لدعم أنشطته المسلحة. وتوضح المحللة ماريا زوبيلو أن السودان ظل في أولويات بن لادن حتى بعد طرده، إذ وصفته عام 2006 بأنه قاعدة عملياتية محورية. وعلى مر السنين، نشطت خلايا القاعدة في مناطق مختلفة، من بينها سلامة بضواحي الخرطوم عام 2007، ومحمية الدندر عام 2012، إضافة إلى تنظيمات “أنصار التوحيد” و”القاعدة في أرض النيلين” بين أواخر العقد الأول وأوائل العقد الثاني من الألفية الجديدة.
ويرى حافظ الغويل، الزميل البارز في “مدارس جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة”، أن حالة انعدام الأمن، والانهيار الاقتصادي، والفوضى الاجتماعية، إلى جانب هشاشة الدول المجاورة، تشكل بيئة مثالية لتنامي نفوذ المتطرفين. ويضيف أن الحدود المشتركة مع ليبيا وتشاد والصومال، حيث تنشط جماعات متطرفة عنيفة، وضعف الرقابة الأمنية، تتيح للإرهابيين نقل الأسلحة والبضائع المهربة والإمدادات غير المشروعة بسهولة.
في أكتوبر 2022، أصدر القيادي البارز في القاعدة “أبو حذيفة السوداني”، المرتبط تاريخيًا بالسودان وبن لادن، بيانًا دعا فيه إلى الجهاد داخل البلاد، بهدف إعادة بناء شبكة عملياتية للتنظيم، خاصة في مناطق النزاع مثل الخرطوم ودارفور. وحدد في خطته أسلوب الضربات الموجهة وحرب العصابات، مع الدعوة لإنشاء مركز قيادة في الخرطوم لإدارة الهجمات من دنقلا شمالًا وحتى دارفور جنوبًا.
ويشارك إسلاميون بالفعل في القتال إلى جانب القوات المسلحة السودانية، وخصوصًا كتيبة البراء بن مالك وجماعات تحت مظلة “المقاومة الشعبية”. كما شهدت البلاد عمليات هروب جماعي لمتشددين من السجون منذ اندلاع الحرب الأهلية، يُعتقد أن الجيش وأجهزته الاستخباراتية سهّلوا بعضها، مثل هروب أحمد هارون من سجن كوبر، إضافة إلى علي عثمان طه، وعوض الجاز، ونافع علي نافع، وجميعهم من المقربين للرئيس الأسبق عمر البشير. ويحذر كالب فايس من “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” من أن عناصر مرتبطة بالقاعدة قد تكون نشطة حاليًا ضمن صفوف القوات المسلحة.
وتشير سارة هرموش من “الجامعة الأمريكية” إلى أن موقع السودان الاستراتيجي كحلقة وصل بين شمال إفريقيا وجنوب الصحراء، وموارده الغنية، يجعله بيئة جاذبة للتنظيم الساعي إلى توسيع نفوذه. وترى أن هذا التركيز يعكس نية القاعدة في استخدام السودان كقاعدة لشن هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها، مستغلة موارده مثل النفط والذهب لتعزيز قوتها، الأمر الذي قد يفاقم النزاعات الإقليمية ويهدد طرق التجارة ويؤجج الأزمات الجيوسياسية.
وتخشى زوبيلو أن يسمح وجود معقل سوداني للقاعدة بدعم فروعها في اليمن والصومال ومنطقة الساحل، بما يزيد من زعزعة الاستقرار ويهدد الملاحة في البحر الأحمر. كما استشهدت بتقرير للأمم المتحدة يفيد بأن فرع القاعدة في اليمن يطور قدراته البحرية، محذرة من مخاطر تصاعد القرصنة، والحصار العسكري، وتدفق الأسلحة بشكل غير منظم، وما يترتب على ذلك من توترات إقليمية.
أما في واشنطن، فقد جُمّدت محادثات السلام قبل أن تبدأ. وإذا لم يكن حجم المأساة الإنسانية في السودان كافيًا لحث الأطراف على التحرك، فقد يكون التهديد المتنامي لتنظيم القاعدة من موقع استراتيجي على البحر الأحمر هو ما يعيد تركيز الاهتمام الدولي على الأزمة.
———-
ويلي فوتري هو مدير منظمة “حقوق الإنسان بلا حدود” التي تتخذ من بروكسل مقرًا لها، وأحد مؤسسي لجنة راؤول والينبرغ في بلجيكا، وشغل سابقًا مناصب في وزارة التعليم والبرلمان البلجيكي.