انهيار وشيك رغم مظاهر السيطرة

 

ندى أبو سن

 يمر تنظيم الإخوان المسلمين في السودان بأسوأ مرحلة منذ نشأته، حيث دخلت الحرب التي أشعلها عامها الثالث دون أن يبلغ أهدافه منها.

وقد وصل التنظيم إلى مرحلة من الانهيار والتمزق والصراعات والضعف لم يبلغها من قبل، وذلك نتيجة للخسائر المالية والبشرية الفادحة، والانقسامات والهزائم التي مني بها، وكان آخرها في أم صميمة، حيث هلك عدد كبير من مقاتلي مليشيا البراء التابعة للتنظيم والمليشيات التابعة للجيش على يد قوات الدعم السريع.

 كما ازدادت الضغوط الدولية التي تحاصره مؤخرًا بعد أن فشلت حكومة بورتسودان في إقناع الاتحاد الأفريقي بشرعية حكومة كامل إدريس المعين من قبل البرهان، الذي عجز عن تعيين وزراء تكنوقراط، وجاء وزراء حكومته مزيجًا من وزراء فرضتهم الحركات المسلحة وجماعة حزب المؤتمر الوطني الإخواني.

 تجتهد كتائب الظل التابعة للتنظيم في بسط سيطرتها منذ توقفها عن القتال والتغلغل في مفاصل الخدمة المدنية ولجان الأحياء والخدمات، إذ نشرت الذعر وتخويف المواطنين وفرضت الجبايات الباهظة التي أثقلت كاهل المواطنين، ونفذت اعتقالات واسعة ومحاكمات جائرة، وعملت على الترصد لشباب الثورة وكان بعضهم قد قاتل في صفوفها، واعتقلت ونكلت بالقائمين على لجان الخدمات والتكايا، الذين ظلوا طوال فترة الحرب يتحملون عبء الإشراف على التكايا وتقديم الخدمات الصحية وإطعام المواطنين في غياب تام للدور الحكومي، وتأتي ممارسات عصابات المتأسلمين هذه في محاولة لاختطاف الدور الذي لعبته هذه اللجان في خدمة المواطنين ونسبه إليها لفرض سيطرتها على المجتمع.

بعد الإنهاك الذي بلغ ذروته لمليشيات المتأسلمين في القتال لم تعد قادرة على مواصلة الحرب، حيث أعلنت على لسان قائد كتيبة البراء انخراطها في العمل المدني، وقد تزامن هذا الإعلان مع خطاب رئيس حزب المؤتمر اللا وطني المحلول، والمطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية في دارفور أحمد هارون، في تصريحات لوكالة رويترز أكد فيه انتهاء العمليات القتالية، بينما كانت المعارك لا تزال تدور في كردفان ودارفور في محاولة للتظاهر بالنصر واكتمال أهداف الحركة من الحرب، التي سعت إلى فصل غرب السودان عبر خطاب الكراهية وعزل الإقليم عن بقية الولايات التي سيطرت عليها وبحرمانه من الخدمات.

وتوجه التنظيم لإقناع المواطنين بالعودة إلى الخرطوم في ظل هذه الأوضاع رغم فشله في توفير أبسط مقومات الحياة، حيث لا ماء ولا كهرباء، وغياب تام للأمن وارتفاع وتيرة العنف والجريمة في ظل انتشار السلاح.

كما تنتشر الأمراض والأوبئة مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك التي تحصد الأرواح الآن في الخرطوم.

وتفرض السلطات في الخرطوم جبايات باهظة نظير الخدمات مما زاد الضغط على المواطنين وفاقم معاناتهم، إذ يرتفع معدل الفقر في السودان في كل يوم في ظل الفساد والنهب الممنهج لموارد السودانيين من الجهات المستفيدة من الحرب وغيرها من القطط السمان، وقد بدا ذلك واضحًا في انهيار الجنيه السوداني في مقابل العملات الأخرى.

 في ظل هذه الأوضاع المزرية يتم دعوة السودانيين للعودة الطوعية، حيث ذكر مواطنون عادوا إلى الخرطوم أن الجثث المدفونة في وسط الأحياء وداخل المنازل لا تزال موجودة، وقد عاد عدد كبير من المواطنين ليجدوا بقايا الجثث داخل منازلهم، وقد فرضت عليهم السلطات جبايات باهظة نظير إخلاء الجثث ودفنها، كذلك لم تكمل السلطات عملية التخلص من مخلفات الحرب في معظم الأحياء التي تشكل خطرًا كبيرًا على المواطنين العائدين.

وكانت الولايات المتحدة قد فرضت في وقت سابق من هذا العام عقوبات على السودان بسبب استخدام الجيش السوداني للأسلحة الكيميائية، وكان مسؤول في الأمم المتحدة قد حذر من خطورة هذه الأسلحة على المواطنين وضرورة تحديد أماكن إطلاقها.

 وكانت مصادر قد ذكرت أن الجيش أطلق الأسلحة الكيميائية على ثلاثة عشر حيًا بالعاصمة الخرطوم، وطالبت جهات سودانية عديدة حكومة الأمر الواقع باستدعاء جهات دولية متخصصة لمعرفة الأحياء التي تم إطلاق الأسلحة الكيميائية فيها.

في الوقت الذي تطالب فيه حكومة الأمر الواقع المواطنين بالعودة إلى الخرطوم تظل هي باقية في بورتسودان الأمر الذي أثار التساؤلات حول عدم عودتها.

وذكر شهود عيان أن شوارع الخرطوم بدت خالية من المارة مقارنة بعودة الحياة إلى بحري وأم درمان تدريجيًا.

وكانت الولايات المتحده قد أعلنت عن اتجاهها لتصنيف تنظيم الإخوان المسلمين العالمي كتنظيم إرهابي، ومن ضمن عضويته تنظيم الإخوان المسلمين في السودان.

وفي تقديري أن ممارسة الترهيب على المواطنين تعكس حجم التوتر والخوف داخل التنظيم، الذي يحاول مسابقة تطورات الأحداث وازدياد الضغوط الدولية والداخلية عليه لإنهاء الحرب بسبب حالة الانهيار التام للدولة والأزمة الإنسانية التي بلغت حدًا غير مسبوق عالميًا.

 لم يحصل الكيزان على ما أرادوا الوصول إليه من إشعالهم للحرب بالرغم من رفضهم إيقافها طوال العامين الماضيين في سبيل تحقيق أهدافهم متجاهلين معاناة الشعب السوداني وتشرده.

 وكانت حكومة الإمارات العربية المتحدة قد فرضت مؤخرًا حصارًا لوجيستيًا بحريًا على حكومة بورسودان، ومنعت كل أشكال النقل التجاري، كما فرضت قبله حظرًا جويًا على بورتسودان. مما شكل ضغطًا قاسيًا على حكومة الأمر الواقع التي ارتبطت كل تعاملاتها التجارية مع دولة الإمارات.

 وكانت صحافة المتأسلمين قد صدمت الأسبوع المنصرم بخبر نشره الصحفي الاستقصائي المخضرم الأستاذ شوقي عبد العظيم وسارعت إلى نفيه، عن تسريبات لاجتماع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مع المبعوث الأمريكي مسعد بولس في سويسرا.

كما ذكرت تسريبات أخرى أن بولس التقى كذلك بقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو مما فاقم من حجم التوتر داخل التنظيم، الذي يحاول التماسك وإظهار القوة في وقت يضيق عليه الخناق في الداخل ومن المجتمع الدولي، ويصر على فرض المزيد من السيطرة على البلاد بتصدير الكذب والشائعات المضللة عبر إعلامه المأفون الذي ظل يمارس هذا النهج طوال فترة الحرب، بينما هو ينهار فعليًا في كل يوم ويتخبط ما بين الصراع مع حلفائه على كراسي السلطة، وما بين صراعه مع الدعم السريع وحصار الضغوط الدولية التي تضيق الخناق على التنظيم بعد أن تأكدت من خطورته على السلم والأمن الدولي والمحلي.

وكانت القوى السياسية السودانية قد رحبت بتأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزم الولايات المتحدة على تسهيل إحلال السلام في السودان مما يبشر بقرب انتهاء الحرب.

ندى ابو سن

تخرجت من كلية الاعلام بجامعة الخرطوم التطبيقيه في علم ١٩٩٩ و عملت بصحيفة الصحافة السودانية في عام ٢٠٠٧ ككاتبه مقالات حره ثم عملت بصحيفة الحقيقة ككاتبة عمود اجتماعي بعنوان (ومضه) اتعاون الان مع عدد من الصحف الإلكترونية حيث اكتب مقالات سياسيه تحليلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى