حروب الحركة الاسلامية
وائل محجوب
* الحرب في حقيقة أمرها هي أعلى مراحل الفعل السياسي وأخطرها، ولا يتم اللجوء إليها إلا بعد استعصاء كافة الحلول السلمية لتغيير المعادلات القائمة، وتخاض بين الدول إما لفرض الإرادة، أو لتقويض الدول واحتلالها مثلما حدث في الحربين العالميتين وحروب شتى، أو كمدخل لتغيير المعادلات السياسية وتغيير الجغرافيا السياسية، وكل فعل ينتج عنها لا يخلف سوى الخراب والدمار.
* أما حروب البلدان الداخلية، فهي أشد وأنكى، فهي بخلاف تعزيزها للتفرقة وروح العداء بين مكونات الدولة الواحدة، فهي بطبيعتها تكون مهددة لوحدة الدولة، وتفتح بابًا للتدخلات الخارجية والاصطفاف مع أطرافها كل حسب مصالحه، وامتدادات هذه الحروب أخطر، لأنها بطبيعتها تتحول لمهدد للأمن والسلم الإقليمي والدولي، لذلك توصل العالم لاتفاقيات تنظم القوانين التي تحكم الحرب، وحدد أنماطًا من الجرائم التي لا يمكن التساهل معها.
* الحرب بطبيعتها المتوحشة وما تخلفه من أحن وضغائن وما يرتبط بها من خطابات كراهية وتضليل وتزييف متعمد لشيطنة الآخرين، هي الأداة المثلى لتقسيم الشعوب، ولهدم أسس التعايش السلمي وتفكيك الدول، والعقلاء وحدهم من يسعون لوقفها وقطع الطريق عليها، وهذا ما تقاومه الحركة الإسلامية وحزبها الضرار منذ اندلاع الحرب، فهي أوهام في رؤوس قادتها تتصور أن بإمكانها مواصلة حكم السودانيين بالقمع والتسلط، والإفلات من الجرائم الكبرى التي اقترفوها بحق الشعب عبر مقاعد السلطة.
* الحرب هي الحرفة التي تجيدها الحركة الإسلامية وحزبها الضرار وتفوقت فيها على غيرها في بلادنا، وجنجويدها أضل منها وأنكى في الجرائم والكوارث، وهم قد بعثوا بأفعالهم المنكرة وجرائم حربهم مجتمعين كل ما يقوض أسس العيش المشترك بين أهل السودان، ولم يعطوا مجالًا للحلول السلمية، فهم أمراء للحرب من خلف حجاب، ومن يعش بالسيف يمت به..!
* منذ وصول الإنقاذ المشؤوم للسلطة في يونيو ١٩٨٩م، تبنت ذلك المنهج الحربي في التعامل مع قضايا الصراع الداخلي، وتصورت أن بمقدورها قيادة الحرب فدفعت بخيرة شباب الإسلاميين للصفوف الأمامية ليقضوا نحبهم في غابات الجنوب، وتفتق عقل قادتها الخرب مثل صاحب فقه “إدخار القوة”، عن جرجرة شباب البلاد تحت مسميات الخدمة الإلزامية والتجنيد الإجباري، والتقاطهم من الشوارع والزج بهم في أتون حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل في تسعينيات القرن الماضي، ومضوا في حروبهم التي لا تنتهي في أنحاء السودان المختلفة، جبال النوبة والنيل الأزرق، ودارفور التي مثلت قمة الكوارث الوطنية، حينما جندوا مجرمي القبائل في مواجهة تمرد كان يمكن حسمه عبر الحوار لو توفرت لهم بعض حكمة ووعي وتنازل عن أفكارهم المشوهة تجاه البلاد وأهلها، وبعد كل هذه الكوارث الوطنية لا يزالون في غيهم سادرون.
* لقد تم تقسيم البلاد تحت وقع الحروب، كما تم تقسيم غالب دول المنطقة، من المحيط للخليج، وهي حروب همجية ما أن تبدأ نيرانها يتحول البشر لخونة وأبالسة، وينزوي في طياتها كل من يحملون قيما خيرة، وقد أخرجت حرب السودان كل جهلاء البلاد بلا رسن، وقد غطوا بفاحش دعواهم للحرب على كل مناصري السلم ووقف نزيف الدم.
* خرج من السجون عمر حسن أحمد البشير وعلي عثمان محمد طه وعبد الرحيم محمد حسين وبكري حسن صالح ونافع علي نافع وأحمد هارون وغيرهم من قادة نظام الإنقاذ، وانسل تحت غطاء الحرب كل مجرمي نظام الإنقاذ وانتبذوا مكانًا قصيًا، ليدفعوا بالشباب للمحرقة، كما أطلق سراح مجرمي الحرب مثل السافنا وغيره من قادة الجنجويد وأمراء الخراب والدمار، ممن كانوا قيد التوقيف في السجون، وخرج حتى المشتبه بهم في فض اعتصام القيادة، مثلما أطلق سراح مساجين البلاد من مجرمي الحالات الجنائية، في حرب الثورة المضادة هذي بكل غلها وحقدها وإجرامها.
* لم يسأل أحد حتى الآن منذ اندلاع الحرب أين هؤلاء المجرمين، ولماذا لم يعودوا للسجون طالما عادت للسجون سلطتها وتم ترميم السجن العمومي والسجون المماثلة، ومن الذي يوفر لهم الحماية، ويمنحهم القدرة على التحرك وإدارة شؤون الدولة والحرب من تحت الطاولة.
* الرسالة التي تقولها هذه الحرب وبوضوح لجميع أهل السودان، أن جهات محدودة ترى أن لا مخرج لها من جرائمها إلا بالتحكم في عنان السلطة، وإخضاع كامل البلاد لبطشها ونفوذها، وهي تعاند أقدار الله الذي قضى بزوال حكمها في ثورة ديسمبر- أبريل ٢٠١٩م، وما يعاند أقدار الله الإ كل معتد أثيم، وسيصبح عبرة لمن لا يعتبر، “البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت، وأصنع ما شئت فكما تدين تدان”.
* ما لم تفهمه الحركة الإسلامية وحزبها الضرار وجنجويدها، الذين صنعتهم وأبدعت في تلقينهم طرق إذلال الشعب أن للزمان دورتين، هذه دورتهم في ظل الحرب، وللشعب بكل قدرته عليهم دورة قادمة سلمًا أو حربًا، ووقتها سيعلمون علم اليقين ما هو الشعب السوداني الذي أذاقوه الويلات، ولن يفلت من أجرموا طال الزمان أم قصر.