رواية تلك الرائحة
بروفايل:
رواية (تلك الرائحة) مؤسِّسة في أدب السجون:
خطوط
جندني في حركة (حدتو) زميل سوداني
(تلك الرائحة) صدرت في طبعتها الأولى في القاهرة.. وأعيد نشرها كاملة في الخرطوم
التوثيق في رواياتي يخدم نقد السياسي والاجتماعي
رحيل الكاتب والروائي صنع الله إبراهيم أحد أعمدة السرد العربي
محمد إسماعيل – أفق جديد
ودعت مصر الأسبوع الماضي أحد أبرز وأهم كتابها المعاصرين الكاتب والروائي الكبير صنع الله إبراهيم، الذي رحل تاركًا إرثًا أدبيًا وفكريًا استثنائيًا. إذ تميزت أعماله بالتوثيق التاريخي ومعالجة القضايا السياسية والاجتماعية، مع حضور سيرته الذاتية في السرد الروائي.
تميز الروائي الراحل صنع الله إبراهيم بالعمق الفني والالتزام الأدبي. التزام يظهر في اختياره لموضوعاته والتعبير الفني المتماسك، لذلك أصبح واحدًا من أبرز الكتاب في ذاكرة القارئ.
أذكر أن صنع الله إبراهيم زارنا في السودان بعد الإطاحة بالديكتاتور جعفر النميري في ثورة 1985، وكان بيننا مكان حفاوة وضيافة.
حب للسودانيين:
قال الروائي صنع الله إبراهيم في تسجيل صوتي بثه عبر موقع التحالف العربي من أجل السودان: “إن أشدّ ما يؤلمه هو ما يسمع عنه من أنباء الاقتتال والفتن الدموية التي يتعرض لها الشعب السوداني”.
وعبر الأديب المصري عن أسفه لما يتعرض له الكتاب والمفكرون والصحافيون والشباب وكل فئات الشعب السوداني من قهر، وما وصفه بـ (الأشكال المرعبة من الاعتداء على الكرامة الإنسانية). وتحدث عن ترجمة أعماله إلى لغات عدة ومناقشتها في جامعات مختلفة. وتركزت المناقشة حول قضايا الحرية والعدالة والهوية لتتجاوز حدود المحلية. يذكر أن روايته (شرف) احتلت المرتبة الثالثة ضمن أفضل مائة رواية عربية
رفضه للجائزة:
أثار صنع الله إبراهيم الجدل برفضه استلام جائزة الرواية العربية من المجلس الأعلى للثقافة عام 2003، ونال العديد من الجوائز المهمة مثل “جائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2004، وجائزة كفافيس للأدب عام 2017.
مهمومًا بالمهمشين:
يعتبر صنع الله أحد أهم كتاب الوطن العربي عبر تاريخ زاخر بالكتابة والنضال والمواقف السياسية المنحازة إلى الجماهير وحقوقها الاجتماعية، إذ عاش مهمومًا بالمهمشين والطبقة الوسطى. وعبر عن تطلعاتها وتحولاتها وانكساراتها عبر قلمه..
جاءت روايته (نجمة أغسطس) لتؤكد هذا الاتجاه الطليعي في الكتابة الروائية. مبرزة اتجاهه للتجديد في السرد واللغة الروائية دون أن يأتي هذا على حساب اتجاهه الواقعي والتزامه بقضية ما، وكانت هذه الرواية بمثابة شهادة روائية على رحلته إلى السد العالي. وتبعتها رواية (اللجنة) التي قدّم فيها نقدًا عميقًا لسياسات الانفتاح الاقتصادي.
وقد حظيت روايته (ذات) بشعبية هائلة عقب تحويلها إلى مسلسل تليفزيوني وكانت بمثابة تأريخ للمجتمع المصري منذ السبعينات حتى تسعينيات القرن الماضي. وفي روايته (العمامة والقبعة) اشتبك مع تاريخ الاحتلال البريطاني. أما روايته (شرف) فتمزج بين السردي والوثائقي وتقدم حياة شاب تنقلب حياته مع دخوله السجن ليرى العالم بمنظور جديد تمامًا من موقعه وراء القضبان.
السيرة :
ولد صنع الله في القاهرة عام 1937م وكان لوالده أثر كبير على شخصيته فقد زوده بالكتب والقصص وحثه على الاطلاع، فبدأت شخصيته الأدبية في التكوين منذ الصغر.
درس صنع الله إبراهيم الحقوق لكنه سرعان ما انصرف عنها إلى الصحافة والسياسة. انتمى للمنظمة الشيوعية المصرية (حدتو) فاعتقل عام 1959م وظل في السجن خمس سنوات حتى عام 1964م
نشر صنع الله أول أعماله مجموعة قصصية بعنوان (تلك الرائحة) عام 1966 وبعد خروجه من السجن عمل في الصحافة بوكالة الأنباء المصرية عام 1967 ثم انتقل إلى وكالة الأنباء الألمانية في برلين الشرقية، قبل أن يتجه في أوائل السبعينيات إلى موسكو لدراسة التصوير السينمائى وصناعة الأفلام. عاد إلى القاهرة عام 1974 في عهد الرئيس السادات وتفرغ للكتابة الحرة بشكل كامل عام 1975.
حركة حدتو :
يحكي صنع الله ملابسات دخوله “حدتو” لصحيفة دنيا المرايا فيقول: “في سنة 1954 كنت في أول سنة في الجامعة، وكنت مهووسًا بأحمد حسين، مؤسس “حزب مصر الفتاة”، وكان عنده جريدة اسمها الاشتراكية، كانت جريدة قوية جدًّا، كان أهم أهدافه هو تحريك الجماهير ضد النظام. يمكننا اعتبار حركته فاشيَّة، خاصة في بدايتها، وكذلك بسبب تأثره بهتلر، لكن أغلب الناس في ذلك الوقت كانت متأثرة بهتلر، يمجدونه لأنه عدو إنجلترا، كنت أرغب في أن أنضم للحزب الاشتراكي، ولكن لم يكن لديه تنظيم، فذهبت لهم في مبنى خاص بهم في الجيزة، فوجدت عادل حسين هناك يلعب تنس طاولة (بينج بونج) كي يكون قريبًا من الجماهير (ساخرًا)، وبدأت مناقشات معهم، ثم ذهبت إلى كليتي، كلية الحقوق، وقمت بعمل جريدة حائط باسم: الحزب الاشتراكي دون علمهم. كانت المناقشات تدور بين الاشتراكيين وبين حدتو ومنهم من يتهمك بأنك (مُخَوَّخ) لا تفقه شيئًا، وانتهى هذا الصراع القصير بأن انضممت لحركة حدتو. حيث جندني أحد الزملاء من السودان.
مصادرة تلك الرائحة:
تلك الرائحة هي الرواية الأولى التي صـدرت لصنع الله إبراهيم، صـدرت الطبعة الأولى 1966، ثم صدرت طبعة غير كـاملة في القاهرة 1966 عن دار الثقافـة الجديدة، إلى أن صـدرت لها طبعات كـاملة في عـام 1986 في كل من القـاهرة والخرطوم عن دار نسق. وأصبحت الرواية رغم بساطتها حدثًا أدبيًا لأن الكاتب فيها كان يقرر نوعًا خاصًا من الواقعيـة يتحدى به الذوق العام المستقر. ويدخل بالتعبير إلى مجالات كان يجفل من الولوج إليها الأدباء الذين يخافون على اسمهم وسمعتهم.