ندى أبو سن
غير مفهوم بالنسبة لي وللعديد من المراقبين ما يقوم به قائد الدعم السريع وهو يطالب جنوده في كل خطاب بعدم الاعتداء على المدنيين، رغم علمه أنهم لا يطيعونه ويعودون لارتكاب جرائم أكبر تجاه المواطن الأعزل، ويظل يكتفي فقط بهذه المناشدات دون أي إجراءات رادعة لهؤلاء المخالفين لتعليماته.
من الصعب علي وقد كنت إحدى اللواتي تصدن لخطاب الكراهية طوال فترة الحرب حرصًا على وحدة السودان، أن أكون مضطرة إلى الحديث عن أن الوحدة بعد نهاية الحرب ستكون أمرًا صعبًا بسبب عدم محاسبة وردع جنود الدعم السريع ميدانيًا على جرائمهم في حق الضحايا من المدنيين.
تحدثت في مقالات سابقة عن أن المتأسلمين قد دربوا قوات الدعم السريع على قمع الشعب السوداني، وهو ما قامت به هذه القوات فعلًا خلال فترة الحرب وما قبلها ومنذ نشأتها، وقد ظل عدد كبير من الوطنيين السودانيين ينادي بوحدة السودان برغم المرارات والجرائم والانتهاكات، غير أن هناك ملفًا من الصعب الانتظار على اتخاذ قيادة الدعم السريع لإجراءات فيه حتى تضع الحرب أوزارها، وهو ملف الأسرى والمعتقلين قسريًا، الملف المعقد والصادم لكل المجتمع السوداني.
إذ إن هنالك جوانب إنسانية دقيقة تستدعي الحديث عنه والحث على التحرك لاتخاذ إجراءات فورية في هذا الملف الخطير لطبيعة الجرائم غير المسبوقة، الذي يخالف القوانين الدولية والدينية وترفضها الفطرة البشرية التي حكى عنها الناجون عكست ممارسات السجانين التي لا تمت للإنسانية بصلة ولا يتصورها عقل. وكان أحد أكثر الروايات سوءًا وتهز ضمير أي آدمي ما حكاه أحد المعتقلين عن أن الجثث تبقى في العنبر لعدة أيام وسط المعتقلين الأحياء، وعليهم أن يأكلوا ويشربوا بجانبها، بالإضافة إلى ما قد حدث في سجن سوبا بعد ازدياد عدد الوفيات فيه نتيجة للجوع عندما تم إطلاق سراح بعض الأسرى وهم هياكل عظمية لا تقوى على الحركة، وقد توفي معظمهم بمجرد إطلاق سراحه بعد يوم أو يومين.
ممارسات لم نسمع بمثلها من قبل تخبرك عن أن مرتكبيها من طينة شاذة عن البشرية.
بالإضافة إلى استهداف النساء بالاغتصاب داخل المعتقلات وخارجها وحتى الأطفال فعل بهم وحرموا من الطعام ولم ينجوا من الموت في معتقلات الدعم السريع.. والمعتقلون كانوا من كافة المراحل العمرية حتى الشيوخ لم يشفع لهم كبر السن أمام معتقليهم.. وتمت معظم الاعتقالات لمجرد الشك بأنهم تابعين لاستخبارات الجيش ودون أي أدلة.. يحتجز الأشخاص تحت مبرر الشك فقط.
هكذا اعتقلوا نصف سكان الخرطوم من المدنين أثناء حربهم على الكيزان كما يدعون.
أعداد قدرت بخمسين ألف معتقل احتجزت في معتقلات الدعم السريع التي انتشرت في مدن الخرطوم الثلاث. بالإضافة إلى ظروف الاعتقال نفسها حيث يقدم للأسرى فقط كمشة أرز وثلاث أكواب من الماء يوميًا يشرب ويقضى منها كافة حاجاته، لا ملابس لا ادوات صحية.
وفي كل يوم كان يزداد عدد الوفيات والجثث تتحلل وتتداعى أمام ناظريهم ولا تحرك فيهم ساكنًا.. وقد شاهد العالم بأسره منظر الأسرى الأحياء الذين تم إطلاق سراحهم من جبل أولياء وجثث المحتجزين الذين ماتوا جوعًا وعطشًا في أماكن احتجازهم، بالإضافة إلى من استشهدوا أثناء ترحيلهم إلى نيالا.
لا شك أن هذا أمر يستدعي المحاسبة الفورية وأن هناك مسؤولين عما حدث لهؤلاء الأسرى. وفي تقديري أن أول من يجب ان يسأل هو استخبارات الدعم السريع التي لابد أن تجيب، وكل المسؤولين عن المعتقلات حيث تقع المسؤولية المباشرة على رئيس الاستخبارات عيسى بشارة، وقد أدلى الأسرى بأسماء الكثير من المسؤولين عن هذه المعتقلات الذين استقصدوا بعض الأسرى ورفضوا إطلاق سراحهم إلى أن توفوا من الجوع و العطش. وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها وسقتها ولا هي أطلقتها فتأكل من خشاش الأرض”. لذا لابد أن يحاسب هؤلاء على كل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت.
في فيديو تصفية أسير الفاشر الأخير الذي أحدث غضبًا كبيرًا في أوساط السودانيين والعالم، عكس الفيديو بوضوح قسوة وعنصرية وإرهاب مرتكب الجريمة البشعة، وكان الدعم السريع قد خرج ببيان ينفي فيه الحادثة وسارع المتحدث باسم تأسيس علاء نقد إلى نفي انتماء القاتل إلى الدعم السريع، فخرج القاتل ليؤكد انتمائه للدعم السريع وكان عند تصفيته للضحيه قد تلفظ بعبارات عنصرية يستعلي فيها على ضحيته، ولو إنك تمعنت في ملامح القاتل لوجدته يحمل نفس الملامح الأفريقية للمقتول، الاختلاف بينهما فقط في لون البشرة وهي ملامحنا جميعًا كسودانيين مما يثير التساؤل عن سبب الاستعلاء.
بكل تأكيد نفي وتبرير الدعم السريع المستمر لجرائم وفظائع منسوبيه لن تعفيه من المسؤولية القانونية والأخلاقية وإذا كان كيان تأسيس والدعم السريع يحرصان فعلًا على وحدة السودان فلابد من إجراءات صارمة تجاه مرتكبي الانتهاكات ومحاكمتهم علنياً.
إذ كيف في ظل ما تم من ممارسات وجرائم أن يتوقع الدعم السريع أن يقنع أي جهة كانت بانه يريد جلب الديمقراطية وأن “تأسيس” حكومة سلام.
والحقيقة أن هذه الممارسات هي ذات الممارسات التي ارتكبتها مليشيات الجيش في حق الثوار والمواطنين الأبرياء وما حدث من اغتيالات للثوار داخل معتقلات الجيش، وهذه الجرائم جميعها قام أفراد الدعم السريع ومليشيات الجيش بتوثيقها ورآها كل السودانيين والعالم.
وفي ظني أن خوف قيادة الدعم السريع من تمرد القبائل إن تمت محاكمة أحد أبنائها هو ما يمنعها من محاسبة جنودها المجرمين، وإذا كان الأمر كذلك فإن هذه العقلية بالتأكيد لا تؤسس لقيام دولة ويتفتت تحالف كيان تأسيس كما تفتت تحالف بورتسودان.