أفق جديد
رائحة الموت في معسكر “أبو شوك” للنازحين في محيط مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور تفوح في كل مكان، وتُترك الجثث ملقاة على الطرق أو تحت الأنقاض، ويشعر الناس هناك بأنهم منسيون ويائسون ووحيدون، ويعيشون من ساعة إلى أخرى خائفين من الموت في كل ثانية.
في 11 أغسطس الجاري أعلنت فرق التقييم الميداني التابعة لمصفوفة تتبع النزوح عن فرار نحو 500 شخص مع معسكر “أبو شوك” للنازحين في محلية الفاشر بسبب تزايد انعدام الأمن، وذكرت في بيان أن النازحين انتقلوا إلى مواقع أخرى داخل مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، بينما لا يزال الوضع متوترًا وسريع التغير.
ويعتبر معسكر “أبو شوك” الذي تأسس في العام 2003 لإيواء الفارين من الحرب التي اندلعت في العام 2003، واحدًا من أكبر مخيمات النزوح في إقليم دارفور غربي السودان، ويضم عشرات الآلاف من المدنيين الذين يعانون من الجوع والأمراض ويفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة، ويبعد المعسكر من الفاشر حوالي خمسة كيلومترات شمالًا.
وبينما قالت وزيرة الصحة بحكومة ولاية شمال دارفور د. خديجة موسى في تصريح مقتضب لـ”أفق جديد”، إن “الأوضاع الصحية مستقرة”، أفاد شهود عيان أن الأوضاع الإنسانية وصلت إلى مرحلة حرجة تتطلب تدخلًا عاجلًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وطبقًا لشهود العيان الذين تحدثوا لـ”أفق جديد”، فإن مخيمات النزوح في دارفور تعاني شح الغذاء والخدمات الأساسية خاصة الدواء والمياه.
وحسب الشهود، فإن الناس يموتون في الطرقات وتحت الأنقاض بسبب القصف العشوائي المتكرر، ونقص الطعام وسوء التغذية والمياه الصالحة للشرب وانعدام الدواء.
وكشف مختبر الأبحاث الإنسانية بكلية الصحة العامة في جامعة “ييل” عبر صور أقمار صناعية التقطت بين 11 و 18 أغسطس 2025، وقوع قصف مدفعي استهدف سوق نيفاشا داخل معسكر “أبو شوك” للنازحين بولاية شمال دارفور.
وبحسب تقارير ميدانية، أسفر قصف مدفعي شنته قوات الدعم السريع في 12 أغسطس عن مقتل 9 مدنيين وإصابة 13 آخرين في سوق نيفاشا ومناطق شمال غربي الفاشر.
كما أعلنت شبكة أطباء السودان أن قصفًا آخر في 16 أغسطس الجاري أودى بحياة 31 شخصًا على الأقل، بينهم متطوع من غرفة طوارئ أبو شوك، وسبعة أطفال وامرأة حامل، إضافة إلى إصابة 13 آخرين.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية ثلاثة مواقع متضررة نتيجة القصف داخل السوق، بينما أفادت مصادر مفتوحة بينها لجان مقاومة مدينة الفاشر بوقوع عمليات اختطاف وإعدامات ميدانية بحق مدنيين بعد توغل قوات الدعم السريع في المعسكر.
وانتشر مقطع فيديو يظهر جُنديًا يطلق النار على رجل أعزل بعد استجوابه حول انتمائه القبلي، لكن صحة الفيديو لم يتم التحقق منها بشكل مستقل.
التقارير الميدانية أوضحت أن القصف أدى إلى نزوح واسع من شمال المعسكر نحو وسط المدينة أو إلى مناطق أخرى مثل طويلة وجبل مرة وكتم ومليط.
كما ذكرت غرفة طوارئ معسكر “أبو شوك” أن 21 شخصًا توفوا خلال الـ45 يومًا الماضية بسبب المجاعة والأمراض.
وأشار التقرير إلى أن القوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة لم تعد قادرة أو غير راغبة في حماية المدنيين بالمعسكر، في وقت يتعرض فيه السكان لمخاطر متزايدة من الجوع والإصابات والاختطاف والعنف الجنسي والموت.
وسبق أن كشفت تنسيقية لجان المقاومة بالفاشر عن بدء قوات الدعم السريع، في التسلل والتوغل داخل معسكر “أبو شوك” للنازحين شمال مدينة الفاشر.
واتهمت التنسيقية، في بيان قوات الدعم السريع بتنفيذ عمليات تصفية مباشرة لعدد من المواطنين دون سبب أو مقاومة، كما اعتقلت عددًا آخر من السكان واقتادتهم إلى جهات مجهولة دون معلومات عن مصيرهم حتى الآن.
من جهتها، كشفت مصادر مقربة من القوات المشتركة عن مقتل 20 شخصًا في معسكر “أبو شوك” بالفاشر صباح أمس، جراء القصف المدفعي الذي شنته قوات الدعم السريع.
كما قُتل 14 آخرون جراء قصف المصلين داخل مسجد في حي “أبو شوك” شمال غرب المدينة، بينما قُتل أربعة أشخاص جراء قصف حي “درجة أولى”، وأشارت المصادر إلى أن المدينة لم تشهد هجمات أو اشتباكات مباشرة.
وخلال الأيام الماضية وصلت قافلة مساعدات غذائية ضخمة، تقدر بـ 440 طنًا متريًا (18 شاحنة)، إلى محلية المالحة بولاية شمال دارفور، وذلك بعد معاناة طويلة من نقص الإغاثة.
وقال مدير عام الرعاية الاجتماعية ومنسق الشؤون الإنسانية بحكومة إقليم دارفور، المهندس عبدالباقي محمد حامد، في تصريحات إعلامية، إن المساعدات مقدمة من برنامج الغذاء العالمي عبر معبر الطينة، وتهدف إلى تخفيف المعاناة الإنسانية التي يعيشها النازحون في المنطقة.
وكشفت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر (نشطاء) عن تعرض أحد المطابخ الجماعية للقصف المدفعي، وأوضحت أن قوات الدعم السريع تستهدف حتى المطابخ الجماعية التي بالكاد توفر لقمة تسد رمق الجوعى تحت الحصار بعد أن دمرت الأسواق والمستشفيات، وطالبت التنسيقية باستمرار دعم هذه المطابخ.
وأشارت الغرفة إلى حاجة المواطنين الملحة، خاصة الأطفال وكبار السن لتقديم الخدمات الإنسانية خاصة خلال شهر رمضان، ونبهت إلى أن نازحي معسكر أبو شوك، وزمزم فضلًا عن مواطني قرى ريفي الفاشر، يعانون من عدم توفر الغذاء والخدمات الأساسية خاصة المياه.
وأفادت بتوقف المطابخ الجماعية في المعسكر منذ يناير الماضي، الأمر الذي يضع آلاف النازحين في مواجهة شبح المجاعة، مناشدة المنظمات الإنسانية بضرورة الإسراع في التدخل العاجل لإنقاذ أرواح المواطنين.
وقالت إن معظم محطات المياه في معسكر “أبو شوك” خرجت عن الخدمة، نتيجة لانعدام وغلاء الوقود، وقطع غيار المولدات الكهربائية اللازمة لتشغيل تلك المحطات.
وأوضحت أن القصف المستمر والممنهج على المعسكر، يمنع المواطنين من الخروج لممارسة أنشطتهم الحياتية، في سبيل كسب لقمة العيش، وناشدت المنظمات الطوعية الوطنية والدولية العاملة في المجال الإنساني، بضرورة تقديم الدعم لبرامج المطابخ الجماعية التي توقف عملها في الفترة الماضية بسبب الحصار المفروض على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور وندرة السلع الاستهلاكية اليومية وارتفاع أسعارها علاوة على عدم توفر الدعم المادي، والقصف المدفعي المستمر الذي تنفذه قوات الدعم السريع على معسكرات النازحين.
وقالت غرفة طوارئ معسكر “أبو شوك” إن المدنيين المحاصرين في المعسكر يواجهون الموت والخوف كل يوم إثر عمليات التدوين المدفعي المتتالية التي تستهدف الأحياء السكنية، وأن العائلات تعيش حالة من الرعب وهي تقف عاجزة بينما أعزاءها يغادرون الحياة.
وفي 17 أغسطس الجاري قالت تنسيقية لجان المقاومة بمدينة الفاشر، إن قوات الدعم السريع نفذت “عمليات تصفية مباشرة لعدد من المواطنين داخل مخيم “أبو شوك” للنازحين شمالي المدينة.
كما ذكرت تنسيقية لجان المقاومة بمدينة الفاشر أن قوات الدعم السريع نفذت عمليات تصفية مباشرة لعدد من المواطنين دون أي سبب أو مقاومة، كما قامت باعتقال عدد آخر من السكان واقتادتهم إلى جهات مجهولة دون أي معلومات عن مصيرهم حتى الآن، وذلك بعد أن تسللت وتوغلت داخل معسكر “أبو شوك” للنازحين.
وفاقمت الحرب من حدة الأزمة الإنسانية في إقليم دارفور، خاصة في مخيمات النازحين، إثر تسبب الاشتباكات الناجمة عنها في تعطيل وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى الإقليم.
وخلفت الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 أكبر أزمة إنسانية على المستوى الدولي، إذ اضطر الناس إلى تناول أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار في دارفور، لعدم توفر الغذاء في مخيمات النزوح البالغة عددها 51 في ولايات دارفور الخمس.
وأُنشئت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى إلى المدن الكبيرة بحثا عن الأمان بعد اندلاع الحرب في الإقليم 2003 بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة.
ويشهد إقليم دارفور منذ 2003 نزاعًا مسلحًا بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
وتقول الأمم المتحدة، إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد “واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبًا أسوأ أزمة جوع في العالم”.