حكاية المصورات.. الكتب التي لم تحترق 

جالا زهاء الطاهر 

وسط الخراب الذي خلفته الحرب في الخرطوم، عادت مكتبة دار المصورات لتفتح أبوابها من جديد، وقد نجت المكتبة من مصير كثير من نظيراتها التي طالتها يد النهب والحرق، لتظل شاهدًا على قيمة الكتاب.

عودة المصورات لم تكن مجرد نشاطًا تجاريًا، بل محاولة لإحياء الوعي في مجتمع أنهكته الأزمات، ورسالة بأن القراءة لا تزال قادرة على منح السودانيين أملًا في غد أفضل.

في الحادي والثلاثين من يوليو ٢٠٢٥ عاودت مكتبة دار المصورات في الخرطوم غرب نشاطها، في تحد واضح لظروف الحرب، وذلك من موقعها بتقاطع شارع صالح باشا المك وشارع الشيخ مصطفى الأمين.

تعمل المكتبة ثلاثة أيام في الأسبوع، وتتنوع مقتنياتها بين إصدارات الدار حتى العام ٢٠٢٣ ” أي العام الذي شهد اندلاع الحرب”، إضافة إلى كتب من دور نشر أخرى، وكتب أكاديمية من جامعة الملك سعود، غير أن الإقبال ضعيف في الوقت الحالي، ويقتصر على بعض الرواد وعدد من طلبة جامعة النيلين.

يقول أسامة عوض، مؤسس الدار، إن السبب الرئيسي وراء إعادة افتتاح المكتبة هو المساهمة في نشر الوعي لا تحقيق العائد المادي، إذ إن غياب الوعي كان السبب الرئيس في قيام الحرب.

وللدار فرع في مدينة الأبيض، وهو الفرع الوحيد حالياً الذي لا يزال يعمل بعد الحرب. كما يوجد فرع آخر في بورتسودان نجح في توزيع خمسين عنوانًا من إصدارات الدار.

يقول طلحة عوض، أمين مكتبة دار المصورات بالأبيض: “افتتحت المكتبة عام ٢٠٢١، وتقع في السوق الكبير، وهي المكتبة الثقافية الوحيدة الصامدة الآن في المدينة”.

 وتضم المكتبة كتبًا متنوعة، تبدأ بالكتب السياسية، مرورًا بالهندسية والطبية والأدبية والروايات والتنمية البشرية، وصولًا إلى الكتب المترجمة والإنجليزية.

ويضيف: “الروايات وكتب الفلسفة والتنمية البشرية هي الأكثر مبيعًا”، كما تحتوي المكتبة على مؤلفات لكتّاب من الأبيض مثل الزين بانقا وباشا برشم وعبد المنعم عجب الفيا، وتتولى الدار طباعتها.

ويشير طلحة إلى أن حركة البيع والشراء تراجعت كثيرًا بعد الحرب، إذ هاجر معظم الرواد، وأثر الحصار وإغلاق الطرق على استيراد الكتب، التي كانت تأتي سابقًا من مصر. 

وأردف: إن النشاط أصبح “شبه معدوم”، باستثناء بعض الحركة التي أحياها فتح الجامعات وإقبال طلبة الطب على الكتب الطبية، لكن ذلك لا يشبه أبدًا نشاط ما قبل الحرب.

ويوضح طلحة أن الجيد في الأمر أن هناك مبادرة حالية لطباعة أعمال الكتّاب الجدد مجاناً في مصر، بعد مراجعتها واختيار ما يستحق النشر في مجالات الشعر والقصة والرواية. ويضيف: “هناك كتب لا يمكن العثور عليها إلا في هذا الفرع، وهو ما يمنحه أهمية خاصة بعد نهب مكتبات الخرطوم”.

 قبل الحرب كانت مكتبة الأبيض تشارك في منتديات مختلفة، منها “أسبوع المهندس” بجامعة كردفان، ومعارض في كلية شيكان وكلية الطب، إضافة إلى نشاطات مع المركز الفرنسي الذي أُغلق لاحقًا.

وعن تطلعاته يقول طلحة: “هناك فكرة لتوسيع المكتبة مستقبلًا، فالكتب الحالية لا تتجاوز ٣٠٪ مما نطمح إليه. نريدها مكتبة عامة، مع ركن للقراءة وإتاحة الاستعارة”.

وتابع قائلا: “الهدف من الدار نشر المعرفة، ولو كان الهدف تجاريًا لغادرنا البلاد”.

تأسست دار المصورات للنشر عام ٢٠٠٩، ونشرت منذ ٢٠١١ ما يقارب ٧٠٠ عنوان من الكتب السودانية. وبعد اندلاع الحرب، انتقلت أنشطة الطباعة والنشر إلى مصر في يناير ٢٠٢٤، حيث كان يُطبع أصلًا جزء من الإصدارات، وهناك مخزن مخصص للشحن إلى المعارض. وقد واصلوا العمل هناك بوتيرة أكبر، إذ تجاوز عدد الإصدارات المئة عنوان في ٢٠٢٤، ومثلها في ٢٠٢٥. ويقول أسامة عوض: “في مصر النشر والطباعة والترحيل أسهل للمعارض الخارجية والدول الأخرى، حيث يمكن توصيل الكتب لأي مكان في العالم، ونشارك في جميع المعارض العربية في الخليج والمغرب والجزائر”.

لم تستطع الحرب أن تحجم طموحات الدار. يقول أسامة: “نسعى لإقامة معرض في بورتسودان في ديسمبر، ثم الانتقال إلى مدينة عطبرة، إضافة إلى مشاريع مثل إنشاء مراكز ثقافية في مختلف مدن السودان، وإقامة معرض مخفض في الأسبوع الأخير من كل شهر لمساعدة من فقدوا مكتباتهم”.

 وعبر عن أسفه من ضعف إقبال الناس وغياب الاهتمام بالجانب الثقافي في زمن الحرب.

من جانبه، يقول الشاعر الشاب عبد الرحمن برومو من مدينة الأبيض: “افتتاح مكتبة دار المصورات في الأبيض كان إضافة كبيرة للمدينة، إذ لم تكن القراءة شائعة آنذاك. 

كانت هناك فقط كتب مفروشة بواسطة شخص أو اثنين، مما جعلها الأولى من نوعها”. ويضيف: “أعظم ما تقدمه الدار أنها تبحث عن طلب القارئ من الكتب غير المتوفرة وتجلبها من الخارج، لكن كان ذلك قبل الحرب”.

أما الكاتبة الشابة عناب علمان فتقول: “لا مجال للمقارنة بين أسعار مكتبة المصورات ومثيلاتها، مما يجعلها الأهم على الإطلاق. يمكنك أن تجد لديهم أي كتاب تحتاجه، وإن لم يكن متوفرًا يجلبونه من الخارج. هذا الدور كان يفترض أن تضطلع به الجهات الحكومية”. 

وتشيد عناب بفعاليات المكتبة المميزة مثل مبادرة (مفروش) التي كانت تقام كل يوم جمعة قبل الحرب بأسعار شبه مجانية، وتؤكد أن للمكتبة دورًا ثقافيًا عظيمًا.

Exit mobile version