بين نيران الحرب وظلال الكراهية هل ينجو السودان؟

طـارق فــــــرح

 

ما أصدق قول زهير بن أبي سلمى حينما قال:

وما الحربُ إلا ما عَلِمتُم وذُقتُمُ

وما هو عنها بالحديثِ المُرجَّم

الحرب ليست حدثاً عابراً في مسار الدول، ولا مجرّد مواجهة عسكرية بين قوتين متصارعتين، بل هي لعنة شاملة تطال القيم قبل أن تُحيل العمران إلى ركام. إنها تُهدر الرصيد الأخلاقي، وتُضعف الروابط الاجتماعية، وتزرع الشكوك في داخل البيوت، حيث يتحول الأخ إلى خصم، والصديق إلى ندّ، ويصبح الوطن ذاته عرضة للتفكك والانقسام.

ما يجري في السودان اليوم يعكس بوضوح هذا الواقع القاتم. فقد تجاوزت خطوط التصدع نطاق السياسة والعسكر لتتغلغل في البنية الاجتماعية ذاتها. لم يعد الانقسام بين معسكرات كبرى فقط، بل صار داخل البيت الواحد؛ فهناك من يرفع شعار “بل بس”، يقابله من يتبنى موقف “لا للحرب”. ومع هذا الانقسام، لم يعد السودان وطناً موحداً بقدر ما بات جسداً ممزق الأطراف، غابت عنه الكلمة الجامعة وضاعت فيه الأولويات الوطنية.

إلى جانب الدمار المادي والمعاناة الإنسانية، أفرزت الحرب ظواهر اجتماعية خطيرة، لعل أبرزها تنامي خطاب الكراهية والتنمر والإساءة، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه المنصات التي كان يُفترض أن تكون جسراً للحوار وتبادل الرؤى، تحولت إلى ميدان آخر للصراع، تُستباح فيه الكرامات ويُختزل فيه الانتماء الوطني في الولاء لمعسكر ضد آخر. هذا النوع من الخطاب لا يكتفي بتعميق الانقسامات، بل يُطيل عمر الحرب ويُغذي نزعات الانتقام.

إن إطالة أمد الحرب عبر الكراهية لا تعني سوى إضعاف الجميع، فالوطن المنهك لا يخرج منه منتصر حقيقي. وقد حذّر النص القرآني من خطورة الاستعلاء والاحتقار بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ [الحجرات: 11].

من هنا، تبدو الحاجة ملحّة إلى مراجعة جماعية تعيد تعريف الأولويات: السودان لن يُبنى بالشتائم ولا بالتنمّر، ولن يستقر عبر خطاب الإقصاء، وإنما عبر ترسيخ قيم الوحدة والإصلاح. إن توحيد الكلمة اليوم لم يعد ترفاً سياسياً أو شعاراً دعائياً، بل غدا شرطاً ضرورياً لبقاء الدولة نفسها.

يبقى السؤال الجوهري: هل يملك السودانيون القدرة على تجاوز الحسابات الضيقة، حزبية كانت أم جهوية، لصالح مشروع وطني جامع؟ إن الإجابة على هذا السؤال ستحدد ما إذا كان للسودان مستقبل يسع أبناءه جميعاً، أو أن الحرب ستواصل ابتلاع كل فرص النجاة.

إن مسؤولية اللحظة تفرض أن تكون مصلحة السودان هي البوصلة الوحيدة، بعيداً عن الاصطفافات العابرة. فالوطن الذي ينهض على أساس الوحدة يتسع للجميع، أما الوطن الذي يُدار بمنطق الكراهية فلا يُخلّف وراءه سوى الأطلال.

Exit mobile version