عثمان يوسف خليل
من الأفضل وانت تكتب للعامة أن تتذكر، (خاصة في عمود صحفي)، أنه يجب عليك مراعاة أن يكون نصك خفيفًا ومليئًا بالحياة حتى لا تمل، خاصة إن كنت في مكاننا تحاول أن يكون ما تكتبه فيه نفس الحكي الشعبي، وأن تراعي كذلك أريحية السرد التي تجذب إليك القارئ، وأن تلتقط تفاصيل ذاكرة القرية واللغة اليومية، وبشكل محبب تحافظ على جمالية وروح الفكرة وترابطها، فعندها سيشعر بأنها بضاعته ردت إليه.
هنا أود أن أشير إلى أنه قد سألني أحدهم مستفسرًا: ما سرّ اهتمامي بكلمة فِجّة حتى جعلتها عنوانًا لهذا العمود.. وقبل أن أجيبه مباشرة، خطر لي أن أختبر “قوقل”. أدرت إصبعي عليه وسألته إن كان يعرف معنى الكلمة. لم أُفاجأ حين انهالت عليّ عشرات، إن لم تكن مئات الردود.
حقيقة دلتني كلمة الفِجّة هذه إلى تذكر كلمات مماثلة لها لكنها تختلف في المعنى، ومنها كلمة الفوجيج وتعني التفاخر أو البطر وعندنا ينعتون المتفاخر بـ(المتفوجِج) ويقولون (فلان ده بالحيل متفوجج).
والأطرف أنني لم أبدأ بالسؤال مباشرة، بل حاولت أن أحتال على “قوقل” فسألته عن كلمة فُجّاج بدلاً من فِجّة، ظنّاً مني أنه سيعجز عن الفهم. لكن المفاجأة كانت في حجم المعاني والمترادفات التي ظهرت لي، وكأن الكلمة تفتح أبوابًا لا تنتهي.
وهنا تذكرت أن معجم الحياة اليومية عندنا أغنى من كل محركات البحث. فكلمة واحدة في لسان أهل الريف قد تحمل عشرات الاستخدامات، تتفرع وتتشعّب لتصير قصصًا كاملة.
لهذا اخترت الفِجّة عنوانًا: فهي ليست مجرد كلمة، بل فسحة للتأمل والدهشة والضحك، ونافذة على تفاصيل حياتنا البسيطة التي تبدو عابرة، لكنها في الحقيقة كنز من الذاكرة الشعبية.
ومن يدري… ربما يأتي يوم يسأل فيه قوقل نفسه: ما معنى كلمة فِجّة عند أهل السودان؟
مع محبتي،
عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة