عرض: محمد إسماعيل – أفق جديد
صدر عن دار المصورات للنشر كتاب الدكتور مجدي إسحق
الموسوم بـ(دوائر القهر)
في 504 صفحة من القطع الكبير
جاء في إهداء الكتاب (إلى شعبنا الذي رغم الألم والقهر والمعاناة يزين دروبنا بالفخر وشرف الانتماء.. وما يزال يعلمنا معاني التضحية والصمود وقيم الجمال.. فله التجلة والانحناء والمحبة) .
واقعٌ متشظٍ:
الكتاب يبحث في كيفية وصولنا لواقع التشظي والعنف والدمار وكيفية تجاوزه من منظور علم النفس السياسي. يقول المؤلف في الصفحة الأخيرة للكتاب: (من سماتنا لا ننكر سلبياتنا. نبدأ رحلة البحث بالنظر للواقع بموضوعية وليس جلدًا للذات، بل لنتعلم من تجاربنا ونحن نبحث عن مواقع القهر وأنواعه وأسبابه وتأثيراته من عنف وفقر وتعالي عرقي) .
أما الكتاب فقد نجح في مزج الخبرة والقراءة الدقيقة مع البحث والتقصي والتحليل استعمالًا لمدارس علوم النفس الاجتماعي. في تقديم دقيق لما آل إليه السودان من عنف وتخلف ودمار نتيجة تراكم القهر وأثره على التركيبة النفسية لمجتمعاتنا.
نرى أن هذا الكتاب يعتبر إضافة نوعية للمكتبة العربية والسودانية من حيث تناوله لموضوع القهر.
واقع غير متوازن
يتناول في الفصل الأول مفهوم القهر، وعرفه المؤلف بأنه فعل غير عادل تمارسه للسلطة مما يؤدي لخلق واقع غير متوازن من المعاناة والواقع المتدني، ويجعل المتلقي في وضع سلبي من الناحية النفسية والاجتماعية. كما وصف المؤلف ظاهرة القهر ويرى أنها مهما اختلفت الكلمات والمعاني في توصيفها فإنها دومًا تحتوي على ظاهرتين أساسيتين هما الأولى تتمثل في عدم التوازن بين فرد وآخر أو شريحة وأخرى يمارس فيها أحد الطرفين تمييزًا.
بنية القهر
ويشرح المؤلف في الفصل الثاني من كتابه مسألة قهر الفرد والمجتمع، وأشار إلى دراسات في علم النفس والحديث عن قضايا التباين والاختلاف التي تحدث على نطاق العالم وتنطلق جذورها من رغبة الفرد والمجتمع في محاولة تحقيق الذات والسيطرة على الآخر بصورة أو بأخرى.
ويأخذنا المؤلف د. إسحق في كتابه حول تحقيق شخصية الفرد، مؤكدًا أنها لا تبتعد كثيرًا عن مفهوم تحقيق ذاتيته، حيث نجد أن الشخصية في المقام الأول تعبر عن السمات الظاهرية التى تظهر للآخرين التي يمكن أن نقيس بها اختلاف الفرد عن الآخرين. وأن الذاتية هي تطوره الداخلي والإحساس الذي يشعر به الفرد منذ الطفولة. وتتصف بالاستمرار والتشابه في بعض السمات الداخلية.
وركز المؤلف على الذات الاجتماعية، ويرى أنها مجموعة من الناس والأفراد يقع عليها ما يقع على الفرد من تطور أو تراجع. وأثبتت الدراسات أن بعض المجتمعات أو المجموعات تتراجع في ذاتيتها وكأنها تصل إلى مرحلة الطفولة.
وأشار المؤلف إلى أن علماء النفس قد جعلوا التركيز على قضايا الاختلاف والصراع والتنازع في داخل المجتمعات من القضايا المحورية التي يجب دراستها من خلال قراءة التركيبة النفسية والسلوك الاجتماعي للشرائح المتصارعة .
في الفصل الثالث من الكتاب اهتم ببنية القهر، وقدم شرحًا لمسألة العقد الاجتماعي وهو ببساطة الاتفاق والتوافق المجتمعي والقبول بالتعايش والاختلاف، وأكد أن نظرية العقد الاجتماعي رغم اختلاف علماء النفس حولها لا يمكن تجاوزها لأنها كانت خطوة ونقلة كبيرة في درب الحضارة الإنسانية.
وتناول الفصل الرابع من الكتاب (استمرارية بنية القهر)، ومن خلال هذا الفصل يرصد المؤلف أن العوامل التى ساهمت في تأسيس واقع القهر قد تضافرت معها عوامل إضافية أعطت القهر الانسياب وشريان الحياة الذى يجعله يستمر ويتطور. وأن النظام المجتمعي الذي خلق هذا التقسيم الهيكلي التراتبي في المجتمعات قد خلق التربة الأولى لبذرة القهر أن تنمو. وأشار إلى أن نمط القهر يستمد ثباته واستمراريته في المجتمعات بتأثير بنية الوعي المجتمعي والعمل على سيطرة الرؤى والمفاهيم التي تقنن لوجوده، كما طرح علم النفس الاجتماعي تفسيرات تدور حول الوعي الزائف، حسب رؤية المؤلف .
الحروب الأهلية
كما أشار الكتاب إلى مسألة الحروب الأهلية، إذ يقول إن تجارب التاريخ ودراسات علم النفس تقول إن الحرب الأهلية يزداد فيها العنف والانفلات نتيجة إلى عوامل متعددة، حيث لا يمكن إغفال الجانب الذاتي والمكون النفسي والاجتماعي للشرائح المتصارعة وإلى أي درجة قد تدرجت في مراقي الحضارة الإنسانية.
أشار الفصل السادس من الكتاب إلى تاريخ التنازع والقهر، وتحدث عن تاريخ التنازع وأزمة الذاكرة الرسمية للدولة وكتابة التاريخ، موضحًا أن أزمة التاريخ أنه يكتب بمنظورين يعكسان مستويين هما المستوى الرسمي الذى تكتبه الدولة ومؤسساتها، فيجيء معبرًا عن رؤيتها، والتاريخ الشعبي الحقيقي الذى يكتبه أفراد المجتمع، ويكون معبرًا عن الذاكرة الجمعية للمجتمع. وتناول الفصل السابع سيكولوجية القهر، وقدم الكاتب في هذا الفصل أسباب القهر وفسر وجوده، ويرى أن هنالك عوامل في ذاتها تؤثر على الفرد والشرائح المقهورة، وأن القهر وما يخلقه من بنية نفسية واجتماعية ارتبط بسمات ونتائج عديدة لها انعكاساتها على واقع المجتمع وتطوره، هذه النتائج بقدر ما هي إفراز لبنية القهر فهي نفسها تسهم في تعقيد الواقع.
اختتم المؤلف كتابه بتفكيك بنية القهر ويرى أن أي ظاهرة من مظاهر القهر والتخلص منها لا تعني نهاية القهر، بل تعني إمكانية حدوثه في شكل آخر إذا لم يتم النظر لأسباب الظاهرة وعوامل استمراريتها مثله مثل الشجرة التي يقطع ساقها مع بقاء الجذور ثابتة في داخل الأرض.
هذا الكتاب للدكتور مجدي إسحق، وصدر عن دار المصورات، رسم وباحترافية واقتدار الصور الكبيرة لموضوع القهر.