صحافيون وسط نيران الحرب في السودان: “نكتب من بين الأنقاض والرصاص فوق رؤوسنا”

عيسى دفع الله – إل باييس

منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، يعيش السودان واحدة من أعنف الأزمات الإنسانية في العالم: أكثر من 12 مليون نازح، اقتصاد منهار، وأفق سياسي مسدود. ومع ذلك، لا يزال هناك من يتمسك بالبقاء على خط النار: عشرات الصحافيين السودانيين الذين يصرون على الاستمرار في تغطية الحرب، رغم القصف والنزوح وانعدام الأمن والموارد.

بالنسبة إلى الصحافيين السودانيين، تحولت المهنة من مهمة صعبة إلى مغامرة شبه مستحيلة. انهيار الخدمات الأساسية جعل العمل الصحفي أقرب إلى معركة يومية. الصحفيات تحديداً يتعرضن لمضاعفة الخطر؛ فإلى جانب انقطاع الكهرباء والإنترنت وتراجع الأجور، يواجهن تهديدات بالاعتقال والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

إحدى المراسلات في مدينة الجنينة، غرب دارفور – التي تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع – تقول: “لا كهرباء في منازلنا. أدفع ألف جنيه سوداني (1.48 يورو) فقط لشحن هاتفي وجهاز الكمبيوتر المحمول في متجر به مولد. الإنترنت لا يتاح إلا عبر ستارلينك، ندفع بالساعة، وحتى ذلك بالكاد يمكننا تحمله”.

هذه الظروف دفعت كثيرين للنزوح أو ترك المهنة. أما من بقي، فيعمل غالباً دون كشف اسمه، تحت المراقبة الدائمة من طرفي النزاع. تقارير منظمات دولية مثل “مراسلون بلا حدود” تؤكد أن الصحافيين كانوا هدفاً مباشراً: سبعة قُتلوا، أحدهم مفقود، و17 اعتُقلوا، بينهم اثنان لا يزالان في السجن حتى ربيع 2025.

مراسل في نيالا يلخص المأساة قائلاً: “لم نعد نكتب من مكاتب مكيفة. نكتب من الشوارع وبين الركام، بينما الرصاص يتطاير فوق رؤوسنا”.

مشروع وُلِد من الألم

من قلب هذه المعاناة، نشأ “مشروع الحلم”، مبادرة محلية أطلقها صحافيون سودانيون لمساندة زملائهم. تقودها الصحافية لبنى عبد الله، رئيسة مكتب النوع الاجتماعي في نقابة الصحافيين، التي أسست أيضاً شبكة تضم أكثر من 100 صحافية.

الفكرة وُلدت في ديسمبر/كانون الأول 2024 حين انهالت عليها طلبات المساعدة من زملاء يحتاجون إلى ثمن دواء أو تكلفة إنترنت أو حتى طعام. تقول: “لم يكن لدينا ما نقدمه. لذلك أطلقنا فكرة بيع قمصان مطبوعة في أديس أبابا ونيروبي وكمبالا بشعارات تدعو للسلام وترفض العنف. كان مشروعاً وُلد من رحم الألم”.

المبادرة لا مقر لها ولا تمويل رسمي، وإنما شبكة من متطوعين. بدأت بطباعة يدوية وبيع محدود للأصدقاء، ثم توسعت لبيع القمصان في متاجر القاهرة ومدن أخرى. العائدات، مهما بدت متواضعة (670 يورو حتى الآن)، ساعدت أكثر من 30 صحافياً في ولايات السودان المختلفة على شراء الدواء والاتصال بالإنترنت وتوفير أساسيات البقاء.

الصحافية مهاد محمد، التي فقدت عملها مع إغلاق صحيفتها ونزحت من نيالا إلى النهود، تقول: “المبادرة أنقذتني من الاستسلام. أعادت لي الثقة. عدت للكتابة حتى بموارد قليلة”.

الأثر النفسي للمشروع، وفق مؤسسيه، لا يقل أهمية عن الدعم المادي. “معظمنا فقد منازله ووظيفته ومجتمعه. وجود من يقول لنا نحن نراكم ونقدركم، يمنحنا حافزاً للاستمرار”.

في الجنينة، تواصل مراسلة ترملت منذ 2021 وتربي ثلاثة أطفال بمفردها عملها الصحفي بفضل دعم “الحلم”. تقول: “الآن لا أواصل التغطية فحسب، بل أساعد أيضاً زملائي في المنطقة”.

رغم نجاح المبادرة، إلا أن الفجوة ما زالت واسعة. وفق عبد الله، هناك أكثر من 80 صحافية عالقات في مناطق النزاع، وأكثر من 300 أخريات بحاجة ماسة للدعم. انعدام وسائل الاتصال يفاقم الأزمة: بعضهن فقدن هواتفهن، وأخريات لا يملكن تكلفة ستارلينك. تصل الرسائل أحياناً صوتية سريعة، وأحياناً أخرى مجرد نداء استغاثة للحصول على طعام أو دواء.

ومع غياب أي دعم مؤسسي أو دولي، أصبحت القمصان أكثر من وسيلة لجمع التبرعات؛ صارت رمزاً للمقاومة. تقول الصحافية ريهام الدقيل من الجزيرة: “المبادرة ذكرتنا بأننا لسنا وحدنا. هي محدودة، لكنها تساوي الكثير. في السابق كنا نضطر للصعود إلى أسطح المنازل بحثاً عن تغطية، دون أن يساعدنا أحد. الآن قررت أن أبقى في مدينتي وأواصل التغطية، لأن الرحيل يعني إسكات صوت حيوي”. مؤسسو “مشروع الحلم” يفكرون في تحويله إلى تعاونية توفر دخلاً مستداماً للصحافيين وتعيد لهم استقلاليتهم. “أحياناً كل ما يحتاجه الصحفي هو منبر وشخص يقول له: أنت مهم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى