لإنقاذ الزراعة من الانهيار: إطلاق مشروع “استدامة السودان” بتعهدات قوية من الشركاء

بقلم ماريا مونايو
في ظل واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية التي يشهدها السودان منذ عقود، انطلق رسميًا مشروع “استدامة السودان” بمشاركة واسعة من منظمات دولية وشركاء استراتيجيين، واضعين نصب أعينهم هدفًا طموحًا: إحياء الزراعة وبناء أنظمة غذائية مستدامة تدعم المزارعين الصغار وتؤمّن الأمن الغذائي لملايين السودانيين.

وشهدت العاصمة الكينية نيروبي انعقاد الاجتماع التأسيسي للمشروع، الذي جمع على مدى يومين شركاء التنفيذ والاستراتيجيات، من بينهم منظمة “ساستين أفريكا”، والمركز الدولي لتطوير المحاصيل (IFDC)، والمركز الدولي لتحسين الذرة والقمح (CIMMYT)، ومعهد كلينجندال، وحاضنة 249Startups، إلى جانب ممثلين عن القطاع الخاص والجهات المانحة.
ركزت الجلسات على مواءمة الأولويات وصياغة خطط تشغيلية عملية لمواجهة التحديات الملحة التي تعصف بالأمن الغذائي في السودان، وسط واقع سياسي وأمني شديد التعقيد.

أزمة غذاء غير مسبوقة
منذ اندلاع الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع قبل أكثر من عامين، تدهور الوضع الزراعي بصورة مقلقة. فقد أصبح أكثر من نصف السكان – نحو 25 مليون شخص – في حالة انعدام أمن غذائي حاد. وفي عام 2023، هبط إنتاج الحبوب إلى النصف تقريبًا، مع توقع عجز يصل إلى 1.9 مليون طن متري من الغذاء خلال العام الجاري.
قبل الحرب، كان السودان يحقق اكتفاءً ذاتيًا من ثلثي احتياجاته من الحبوب، لكن الحقول اليوم باتت مهجورة، والأسعار ارتفعت بشكل جنوني، فيما شُرّدت آلاف الأسر من أراضيها.
ورغم هذا الواقع القاتم، يرى القائمون على “استدامة السودان” أن الإمكانات الزراعية ما زالت قائمة ويمكن البناء عليها.

حلول عملية ونهج قائم على السوق
قال بن فالك من منظمة “استدامة أفريقيا”: “مهمتنا عاجلة وبسيطة في الوقت ذاته؛ نحن نعمل على توفير الأسمدة بشكل يغطي البلاد كلها، وضمان أسعار في متناول صغار المزارعين الذين يواجهون أصعب الظروف”ما نفعله هو تكييف الحلول مع الواقع الميداني. من خلال الشراكات الصحيحة، نضمن أسعارًا عادلة للمدخلات، ونُبقي سلاسل التوريد مستمرة، ونمكّن المزارعين من الإنتاج رغم كل التحديات.”

يعتمد المشروع على نموذج قائم على السوق، إذ يتعاون مع التجار المحليين، ومقدمي الخدمات اللوجستية، والمؤسسات المالية من أجل استعادة سلاسل توريد المدخلات الزراعية. وبدلًا من توزيع المساعدات المجانية، يعتمد المشروع على خصومات سعرية تصل إلى 30%، ونظام قسائم يستهدف صغار المزارعين، إلى جانب التدريب والخدمات الرقمية. الهدف: تعزيز الأسواق المحلية وضمان استدامتها.
تؤكد أنيت هوفمان، من معهد كلينجندال والمستشارة السياسية للمشروع: “العمل في ظل حرب طويلة يتطلب حساسية عالية تجاه السياق السياسي. نحن نبدأ بالتسليم في المناطق الأكثر أمانًا، ونتوسع فقط حين تسمح الظروف، حتى لا نفاقم التوترات القائمة.”

أرقام وخطط طموحة
توفير 260 ألف طن متري من الأسمدة المدعومة خلال موسمي 2025-2026.
زراعة 1.7 مليون فدان من الأراضي الزراعية.
إشراك 350 ألف مزارع بشكل مباشر ودعم مليوني أسرة لتحقيق الأمن الغذائي.
رفع إنتاجية الأراضي بنسبة 40% مقارنة بالمزارع غير المخصبة.

أما بالنسبة لموسم شتاء 2025، فسيركز المشروع على توريد 50 ألف طن متري من الأسمدة الأساسية مثل (DAP، اليوريا، كبريتات الأمونيوم، وNPK)، على أن يتوسع لاحقًا لتشمل الخطة بذورًا عالية الجودة ومنتجات وقاية المحاصيل.
لا يقف هدف “استدامة السودان” عند حدود زيادة الإنتاج في الموسم الحالي، بل يتطلع إلى بناء قدرة حقيقية على الصمود. فبإنعاش القطاع الزراعي الخاص وتعزيز سلاسل التوزيع، يمكن أن يخرج السودان من هذه الحرب بأسواق أقوى وتجار أكثر كفاءة، الأمر الذي يُمهّد الطريق نحو تعافٍ اقتصادي طويل الأمد.
قال أحد ممثلي القطاع الخاص: “السوق أصبح صعبًا للغاية، لكن ما يقدمه المشروع من حلول عملية كالشراء بالجملة وتأمين النقل والتجارة يعطينا الأمل في توفير المدخلات بأسعار معقولة للمزارعين.”

Exit mobile version