القاتل الصامت.. ذخائر غير منفجرة تلاحق المدنيين

أفق جديد

حرب السودان التي دخلت عامها الثالث خلفت آثارًا كارثية، إذ يواجه المدنيون تحديًا صامتًا ولكنه قاتل وفتاك وهو الذخائر غير المنفجرة التي تهدد سلامة العائدين إلى ديارهم وبيوتهم بعد رحلة نزح طويلة وقاسية ومؤلمة.

وما تزال تهديدات مخلفات الحرب غير المتفجرة تلاحق السكان في الخرطوم وبحري وأم درمان، وهي الأسلحة غير المنفجرة التي تتخلف بعد نزاع مسلح، مثل القذائف والقنابل اليدوية.

وتزايدت مؤخرًا أعداد ضحايا الذخائر غير المتفجرة التي حصدت أرواح الأطفال، وآلاف الإصابات وحوادث الانفجار التي تتكرر مآسيها بين البيوت المدمرة والمهجورة.

الانتهاء من تفجير 50 ألف دانة وكميات من الألغام والذخائر

وفي 5 سبتمبر الجاري، فرغ المركز القومي لمكافحة الألغام من تفجير 50 ألف دانة من مخلفات الحرب، وعدد من الألغام المضادة للدبابات، وكمية كبيرة من ذخائر الأسلحة الصغيرة.

 وأشار مدير المركز القومي، اللواء خالد حمدان، في تصريحات إعلامية، إلى أن ما تم تفجيره من مخلفات هو ما تم جمعه في الفترة السابقة، وأن العمل في جمع المخلفات الأخرى سيستمر.

وأوضح أن العمل تم وفق إجراءات وقائية للعاملين، وتم منع المواطنين من الاقتراب من مناطق العمل لسلامتهم.

وجدد مدير المركز القومي لمكافحة الألغام مناشدته للمواطنين بعدم التعامل مع أي مخلفات يتم العثور عليها، والتبليغ الفوري عنها للجهات الأمنية.

تجدر الإشارة إلى أن أعمال تفجيرات مخلفات الحرب قد بدأت في السادس عشر من أغسطس الماضي.

بينما يقول معتز عبد القيوم سليمان، وهو مدير الدعم الفني بمبادرة التنمية، المتعاقدة مع دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، مكتب السودان (TDI-UNMAS Sudan)، إن “وجود مخلفات الحرب والأجسام غير المنفجرة خطرًا جسيمًا ومستمرًا على حياة المدنيين، ويؤثر بشكل كارثي على صحتهم وسبل عيشهم واستقرارهم، حتى بعد سنوات أو عقود من انتهاء النزاعات”.

وأوضح عبد القيوم في حديثه لـ”أفق جديد”، أن الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة تقتل أو تصيب أعدادًا كبيرة من المدنيين، غالبيتهم من الأطفال الذين قد تستهويهم تلك الأجسام غير المألوفة، مما يؤدي إلى إصابات خطيرة أو بتر الأطراف أو الوفاة .

وحسب المركز القومي لمكافحة الألغام فإن هناك ثلاثة حقول ألغام مضادة للإنسان محرمة دوليًا في منطقة المقرن وغابة السنط جنوب غربي الخرطوم، زرعتها المجموعات المسلحة خلال المعارك التي كانت دائرة في العاصمة الخرطوم.

وأوضح أن قيام المليشيات بزرع مثل هذه الألغام يُشكل إضافة خطرة لسلسلة الانتهاكات التي ارتكبتها خلال الحرب الحالية، مما يتنافى مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية”.

وأشار إلى أن “اتفاق أوتاوا يحظر استخدام وتصنيع ونقل الألغام المضادة للأفراد، المخالفة لمبادئ القانون الدولي الإنساني، ويعد السودان من أوائل الدول المنضمة إليه”.

وأضاف حمدان أن “هذه الألغام شديدة الخطورة كونها مصنوعة من البلاستيك مع كمية ضئيلة جدًا من المعادن، مما يجعل اكتشافها صعباً للغاية ويتطلب فرقاً متخصصة وأجهزة حديثة ذات قدرة عالية على التقاط الإشارات”.

ووفق معتز عبد القيوم، فإن الانفجارات تسبب إصابات جسدية كارثية، مثل بتر الأطراف وفقدان البصر والسمع، إضافة إلى تأثيرها النفسي العميق الذي يؤدي إلى شعور الضحايا بالعجز وتغيير نمط حياتهم.

 وأوضح أن وجود المتفجرات من مخلفات الحرب يؤدي إلى حالة من الخوف والقلق المستمر لدى الأفراد والمجتمعات، مما يسبب صدمات نفسية واضطراب ما بعد الصدمة، خاصة لدى الأطفال.

لافتًا إلى أن هذه المخلفات تمنع النازحين من العودة إلى منازلهم، خاصة في المناطق التي شهدت قصفًا كثيفًا، مما يعوق استقرارهم ويؤثر على نسيج المجتمع.

وتُشكل الأجسام المتفجرة خطرًا كبيرًا على سكان الخرطوم، حيث خلفت النزاعات المستمرة إرثًا من الألغام والأجسام غير المنفجرة التي تودي بحياة المدنيين، وتعيق عودة النازحين، وتعطل المساعدات الإنسانية.

كما يزيد الاستخدام المكثف لهذه الذخائر في النزاع الحالي من المخاطر، لا سيما على الأطفال الذين قد يخلطون بينها وبين الألعاب، مما يتطلب توخي الحذر الشديد وعدم لمس أي أجسام مجهولة.

وطبقًا لمدير الدعم الفني بمبادرة التنمية، المتعاقدة مع دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، معتز عبد القيوم، فإن مخلفات الحرب تقيد الأنشطة الزراعية وتمنع الوصول إلى الأراضي الصالحة للزراعة أو استثمارها، مما ينعكس سلبًا على النمو الاقتصادي ويؤدي إلى تفاقم معدلات الفقر والبطالة.

 

لافتًا في حديثه لـ”أفق جديد”، إلى أن هذه الأجسام تعيق جهود إعادة الإعمار، حيث لا يمكن إعادة بناء المنازل والمدارس والمستشفيات، أو استئناف الأنشطة التجارية والصناعية، قبل تطهير المناطق المتضررة.

ونبه عبد القيوم إلى أن مخلفات الحرب المتفجرة تتسبب في تلوث التربة ومصادر المياه بالمواد السامة، مما يؤثر على النظم البيئية ويهدد الصحة العامة والزراعة، كما أن وجود مخلفات الأسلحة يعيق وصول المساعدات الإنسانية والفرق الإغاثية إلى السكان المدنيين المحتاجين، مما يزيد من معاناتهم.

ووفق المجلس القومي لرعاية الطفولة السوداني، فإن أكثر من 15 ألف طفل أصيبوا بسبب الأجسام المتفجرة في مناطق النزاع المسلح في مناطق متفرقة من البلاد.

ولقي حوالي 49 شخصًا مصرعهم بسبب مخلفات الحرب غير المتفجرة، من جملة 100 شخص أصيبوا من جراء هذه المواد الخطرة. وناشدت السلطات المختصة المواطنين بالابتعاد عن أي أجسام غريبة، وتبليغ السلطات لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وعدم الاقتراب من “غابة السنط” وسط الخرطوم إلى حين تنظيفها وتأمينها.

وفي مارس الماضي، أعلن الجيش السوداني استعادة العاصمة الخرطوم من قوات “الدعم السريع وأوضح أن عمليات تفجير وإزالة مخلفات الحرب تأتي ضمن خطة لعودة المواطنين إلى منازلهم.

 وتعتبر عملية إزالة وتفجير مخلفات الحرب من أعقد العمليات التي تنتظر السلطات في السودان، وتتطلب فرقًا متخصصة تمسح وتحدد مواقع الألغام، القذائف غير المتفجرة، العبوات الناسفة المختلفة، وغيرها.

ويتطلب التعامل مع المخلفات غير المتفجرة وتحديدها جمعها ابتداء وتفجيرها في مناطق آمنة، أو تدميرها في مكانها إذا كانت غير مستقرة، وتتزايد خطورة العملية كلما قدمت الذخائر وتآكلت لتكون شديدة الحساسية لأي حركة قريبة منها.

وتعد إزالة مخلفات الحرب عملية مكلفة ومعقدة تحتاج لمعدات دقيقة وخبراء مدربين تدريبًا عاليًا، لكنها تكتسب بعدًا إنسانيًا كبيرًا، لأن استمرار وجودها يشكل تهديدًا مستمرًا لحياة المواطنين، وعودة الحياة في الخرطوم لحياتها الطبيعية.

الخطورة تتمثل في أن عمليات زرع الألغام في ولاية الخرطوم على وجه التحديد تمت بصورة عشوائية ومن دون أي خرائط أو ترك أي دليل على مناطق وجودها.

واعتمد المجتمع الدولي في العام 2003 معاهدة للحد من المعاناة الإنسانية الناجمة عن مخلفات الحرب القابلة للانفجار وتقديم المساعدة العاجلة إلى المجتمعات المتضررة.

وسبق أن حذرت بعثة الأمم المتحدة في السودان من المخاطر التي يمثلها التلوث بالذخائر المتفجرة على حياة المدنيين، مما يؤدي إلى القتل والتشويه العشوائي وإعاقة إعادة تأهيل البنية التحتية العامة، بما في ذلك المدارس والطرق.

وذكرت البعثة أن الذخائر المتفجرة تشكل أيضا عقبة رئيسية أمام الحركة الآمنة للمدنيين وعودة النازحين إلى ديارهم، وتقوض التوزيع الآمن للمساعدات الإنسانية كما تقيد الوصول إلى الخدمات وتفاقم انعدام الأمن الغذائي.

وأوضحت البعثة أن النزاعات المسلحة التي حدثت في السودان منذ عام 1955 خلفت إرثًا من المخاطر المتفجرة، بما في ذلك الألغام الأرضية والذخائر العنقودية والمتفجرات الأخرى من مخلفات الحرب التي تؤثر على المجتمعات المهمشة في المناطق المتضررة من النزاع.

وقالت البعثة إن “النزاع الحالي الذي اندلع في 15 أبريل 2023 يزيد الطين بلة. فالاستخدام المكثف للذخائر المتفجرة خلال القتال، يزيد الخطر على حياة المدنيين ولا سيما الأطفال الذين يمكن أن يخطئوا في فهم خطورة هذه العبوات وقد يتصورونها ألعابا يلهون بها”.

 

Exit mobile version