الحرب الخفية في السودان: تمدد الإخوان داخل الجيش يهدد الاستقرار الإقليمي والتجارة العالمية

بقلم: آنا ماهجار – باردوتشي

الحرب الأهلية القاسية في السودان ليست مجرد مواجهة مسلحة بين القوات المسلحة السودانية وحلفائها السابقين، قوات الدعم السريع، التي تحولت إلى خصوم شرسين، بل هي في جوهرها محاولة مدروسة من جماعة الإخوان المسلمين للاستيلاء على السلطة. إذ تستخدم الجماعة الجيش السوداني كحصان طروادة لتحقيق أهدافها في السيطرة على شمال شرق أفريقيا والبحر الأحمر، الممر البحري الأهم للتجارة الدولية.

تستغل جماعة الإخوان المسلمين، المدعومة من قطر، النفوذ العميق الذي زرعته داخل الجيش السوداني لتوسيع هيمنتها، معيدةً بناء تحالفاتها القديمة بواجهة جديدة. وعلى الرغم من محاولات الولايات المتحدة ومصر الحد من نفوذها، إلا أن التحالف الثلاثي بين الإخوان وقطر وإيران يُمثل تهديدًا مباشرًا للاستقرار في المنطقة ولحرية الملاحة عبر البحر الأحمر.

لقد تمكنت الحركة الإسلامية السودانية، الذراع المحلي للإخوان، من التغلغل داخل الجيش وتحويله إلى أداة لتوسيع مشروعها الإقليمي. لم يقتصر الأمر على تحالف ظاهري مع القوات المسلحة، بل تشير الدلائل إلى أن بعض قادة الجماعة يوجهون قرارات الجيش نفسه بهدف إحكام قبضتهم على السودان وتحويله إلى مركز إخواني في أفريقيا والشرق الأوسط.

القوات المسلحة اليوم تضم تشكيلات متشددة، مثل لواء البراء بن مالك ولواء البنيان المرصوص، إضافة إلى متمردي حركة العدل والمساواة بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم. هذه الكتائب، المتصلة بأجهزة أمن البشير القمعية، تصف معاركها ضد قوات الدعم السريع – المدعومة إماراتيًا والمدافعة عن الطابع المدني – بأنها “جهاد”.

ومن أبرز الشخصيات المؤثرة في هذا التحالف علي أحمد كرتي، الأمين العام للحركة الإسلامية والخاضع لعقوبات أمريكية، حيث لعب منذ شبابه دورًا محوريًا في تنظيم نفوذ الإخوان داخل الجيش وتعبئة المقاتلين الجهاديين في صفوفه. وتشير تقارير إلى أن البرهان ما زال يعتمد عليه وعلى أحمد هارون، أحد رموز نظام البشير، رغم إقالة خمسة جنرالات بارزين في أغسطس 2025 بعد لقائه المبعوث الأمريكي موساد بولس في سويسرا. ويرى محللون أن هذه الإقالات مجرد خطوة تكتيكية وليست قطيعة كاملة مع التيار الإسلامي.

أما إيران، فقد ضخت أسلحة متطورة لدعم هذا المحور، بينها طائرات مسيّرة من طراز أبابيل-3 ومهاجر-6، وصلت إلى بورتسودان في 2024. صور الأقمار الصناعية التي كشفت عنها “بي بي سي” أظهرت مواقع انتشارها قرب الخرطوم، ما ينسجم مع طموحات طهران في تثبيت وجودها على البحر الأحمر، بالتوازي مع أهداف الإخوان في تهديد مصالح مصر والسعودية وإسرائيل.

خطوات البرهان لإظهار مواجهة النفوذ الإسلامي بدت أقرب إلى عمليات “تجميلية”، إذ أن اعتماده المالي والعسكري على شبكة الإخوان يضعف قدرته على أي إصلاحات حقيقية. ويشير مراقبون إلى أن السودان تحول مجددًا إلى ساحة مركزية ضمن أجندة الإخوان المسلمين العالمية، ما يجعل تجاهله مغامرة غربية خطيرة.

تاريخيًا، بدأ المسار الحالي منذ انقلاب البشير عام 1989 بدعم الجبهة الإسلامية القومية، حين تحول السودان إلى منصة لتصدير التطرف: من استضافة أسامة بن لادن، إلى دعم القاعدة وحماس وجيش الرب، وصولًا إلى جرائم دارفور والإبادة الجماعية. وعلى الرغم من سقوط البشير في 2019، إلا أن انقلاب البرهان عام 2021 على الحكومة الانتقالية أعاد الإسلاميين للواجهة، فيما فجرت حرب 2023 مع قوات الدعم السريع كامل الأزمة من جديد.

يمتلك السودان موقعًا فريدًا على البحر الأحمر، قرب قناة السويس، وممراً أساسياً لتدفقات النفط والغاز، إضافة إلى كونه نقطة عبور للهجرة غير النظامية من القرن الأفريقي إلى أوروبا. السيطرة الإخوانية على هذا الموقع الحساس قد تُهدد ما بين 10% إلى 15% من حركة التجارة البحرية العالمية، وترفع أسعار الطاقة عالميًا، وتحوّل البلاد إلى قاعدة جديدة للتنظيمات الإرهابية.

التقارير تؤكد أن مصر تسعى للإبقاء على الجيش كركيزة لأي نظام سياسي بعد الحرب، لكنها تخشى في الوقت نفسه من تغلغل الإخوان ورعاتهم القطريين. أما الإمارات، فتميل لدعم قوات الدعم السريع كقوة بديلة. في ظل هذه التناقضات، يبقى البرهان محاصرًا بين الضغوط الدولية واعتماده على الإسلاميين.

إن استمرار الوضع الراهن لا يهدد السودان فقط، بل يضع الأمن الإقليمي والتجارة العالمية في مهب الريح. فالسماح لجماعة الإخوان المسلمين بترسيخ موطئ قدم دائم في البحر الأحمر يعني ولادة بؤرة عداء جديدة للغرب وحلفائه في منطقة استراتيجية لا يمكن تجاهلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى