د. سمية سعيد جبارة: الغربة كمصدر قوة.. كتاب كجسر بين الإنسان والتقنية 

"سيمفونية التميز.. الإنسان في قلب التقنية"

ليست الخوارزميات ما يصنع المستقبل بل الإنسان الذي يحسن استخدامها

في صباح دافئ، التقينا بالدكتورة سمية سعيد جبارة صاحبَة القهوة والدفتر الصغير، لتروي رحلة ممتدة لأكثر من عقدين بين القيادة والحوكمة والذكاء الاصطناعي.

حوار يربط جذور الريف برؤية عالمية، ويحوّل الغربة إلى طاقة للإبداع.

*كيف تصفين نفسك للقارئ؟

د. سمية: أنا ابنة السودان، من قريتي قرب القريقريب على ضفاف النيل الأزرق  نشأت على دفء الأسرة وقيم الجدات.

تربيت على الطموح وحب المعرفة، وهذه الجذور شكلت هويتي ومقوّماتي. مهنياً، أعمل في إدارة الموارد البشرية بامتزاج بين المعرفة الأكاديمية والتطبيق العملي.

 أحمل ماجستير ودكتوراه بدرجة ممتاز، وزمالة مهنية (SHRM-CP). 

كتبي وأبحاثي باللغتين العربية والإنجليزية سعت لربط النظرية بالتطبيق، وخاصة في مجالي: التسويق الداخلي، الجدارات الوظيفية، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية.

 وأُعتبر ذات شغف مستمر للتعلّم والعطاء وفي حياتي شخصية إنسانية أهمها الأمل والإيمان.

*حدثينا عن بيئتك وكيف صاغت طموحك المبكّر؟

نشأتي كانت في بيئة ريفية مستقرة، حيث المدرسة والمنزل عملًا معًا في تربية الأجيال، أمي غرست حب العلم في قلبي، ووالدي علمني المثابرة.

في قريتنا تعلّمت أن الطموح أسلوب حياة يُبنى بالإصرار والحب، لذلك كانت مسيرتي امتدادًا لتلك القيم: العلم، العطاء، والإنسانية.

 *ما القيم الجوهرية التي لا تتنازلين عنها؟

 هناك ثلاث ركائز لا أتنازل عنها “النزاهة والشفافية لأن الثقة رأس مالنا”. والتعلّم المستمر، القائد الحقيقي طالب علم ودائمًا. وتمكين الآخرين وخدمة الناس، النجاح يُقاس بما نتركه من أثر للآخرين.

*كيف يتم التوازن بين الأهداف الاستراتيجية والبعد الإنساني في القيادة؟

القيادة الذكية تضع الإنسان في مركز الاستراتيجية. الاستراتيجية أداة لتطوير الأفراد، وكل هدف مؤسسي يجب أن يُقاس بتأثيره على قدرات الناس. التواصل، التقدير، والتمكين هم مفاتيح تحويل الخطة إلى واقع إنساني وفعّال.

 *ما هو الأسلوب الذي تتبعيه في بناء ثقافة مؤسسية قائمة على الثقة والتمكين؟

أعمل على ثلاثة محاور: شفافية وتواصل مفتوح، تمكين عبر وضوح الأهداف وتوفير الدعم، وبرامج تدريب مستمرة. 

القيادة بالقدوة هنا لا غنى عنها؛ فالقائد الذي يمارس ما يطلبه يبني ثقافة تعمل وتبدع.

*كيف ترين تأثير الذكاء الاصطناعي على بيئة العمل؟

 أراه شريكًا داعمًا للإنسان لا بديلاً عنه. يسرّع التحليل ويجعل القرار أكثر دقة، لكن الحدس والذكاء العاطفي للإنسان لا يُستبدلان. 

النجاح في المستقبل يعتمد على دمج الذكاء الاصطناعي مع الذكاء الإنساني: تدريب الفرق، تطوير المهارات، والحفاظ على القيم.

*ما هي أبرز المبادرات التي نفّذتها لدمج التقنية مع تنمية الكفاءات؟

أنظر للمسألة كـ«سيمفونية»: كل موظف عازف، والتقنية المنسق. المنهجية كانت عبر:

برامج تعلم مستمرة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتخصيص مسارات تدريبية.

أتمتة ذكية للمهام الروتينية لتحرير وقت الابتكار.

منصات رقمية تفاعلية للتواصل والتغذية الراجعة وتمكين الفرق.

 *كيف يدعم الذكاء الاصطناعي اتخاذ القرار دون فقدان البعد الإنساني؟

بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتقديم رؤى موضوعية وتحليل سريع، بينما يظل الإنسان صاحب الحكم الأخلاقي والخبرة لتفسير النتائج واتخاذ القرارات التي تُراعي الناس. البيانات إيقاع، والإنسان هو الروح.

*ما المفاهيم الأساسية في كتابك «التميز الذكي»؟

 يركّز الكتاب على دمج الذكاء الاصطناعي مع العنصر البشري عبر: التحول الرقمي في الموارد البشرية، جعل الذكاء الاصطناعي شريكًا استراتيجياً، قيادة مستندة إلى البيانات والقيم، تمكين الأفراد، واستراتيجيات إدارة التغيير لمواجهة مقاومة التحول.

 *كيف تطبّق المؤسسات هذه الاستراتيجيات عمليًا لتحقيق استدامة الأداء؟

 بخطوات عملية: دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات الحيوية، تخصيص التعلم والتطوير، تمكين الفرق، الموازنة بين التقنية والإنسانية، وقيادة قائمة على البيانات والقيم. بهذا تتحول المؤسسات إلى بيئات ابتكار مستدامة.

*هل لديك أمثلة من تجربتك تؤكد نجاح هذا الدمج؟

نعم، إعادة تصميم برامج التدريب باستهداف فردي أدى لارتفاع الأداء، أتمتة تقارير الأداء حرّرت وقت القادة للتركيز الاستراتيجي، ومنصات تواصلية حمّت ثقافة المبادرة والالتزام، وتحليل البيانات وجهّ الاستثمار في تنمية المواهب استباقياً.

 *كيف ترين ملامح بيئة العمل خلال خمس سنوات؟

 أتوقع تحول رقمي أعمق، مرونة وشمولية في بيئات العمل، برامج تعلم ذكية مخصصة، تركيز أكبر على الرفاهية والتمكين، وقيادة قائمة على البيانات والقيم.

المحاور. 

*ما رسالتك للجيل الجديد؟

 تذكّروا أن التكنولوجيا أداة. قوّتكم الحقيقية في قدرتكم على تحفيز الناس وتمكينهم. كونوا قدوة، احفظوا البوصلة الأخلاقية، وطوّروا مواهبكم باستمرار. اجعلوا الإنسان محور كل قرار، فالقائد الحقيقي يترك وراءه قلوبًا أقوى وعقولًا أوسع.

*كيف تدمجون التقنية والإنسانية لصنع مؤسسات أكثر ذكاءً وفعالية؟

 عبر ثلاثة محاور: تمكين الإنسان بالمعرفة الرقمية، تصميم بيئة عمل تفاعلية وإنسانية، وتحويل البيانات إلى أثر ملموس مع مراعاة التأثير البشري. حينها تصبح المؤسسة سيمفونية متناغمة بين العقل والقلب.

وفي الختام تقول دكتورة سمية سعيد: كل إنجاز تقني لا يلمس حياة الإنسان ويجعلها أفضل… يظل ناقصًا.

وقد كتبت كتاب «التميز الذكي» في الغربة بعد أن تركت وطني في زمن الحرب؛ حاولت أن أحول ألم الغربة إلى طاقة إبداع، والكتاب وقف علمي وصدقة جارية لروح والدتي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى