أفق جديد
وسط دموع الفرح وأهازيج النصر في إثيوبيا، ومخاوف وانزعاج الحكومة المصرية، تم افتتاح سد النهضة الإثيوبي الذي استغرق بناؤه 14 عامًا، وسيشكل نقطة تحول في ملفات المياه والطاقة والسياسة في حوض نهر النيل.
ويعتبر سد النهضة أكبر سد في أفريقيا، يبلغ عرضه 1800 متر، وارتفاعه 175 مترًا، ويمكنه حجز ما يصل إلى 74 مليار متر مكعب من المياه في خزان يغطي مساحة أكبر من مساحة مدينة لندن.
وصفت مصر والسودان قرار إثيوبيا بإنشاء سد النهضة بأنه “إجراء أحادي” هدفه السيطرة على مياه النهر، وأثار ذلك مخاوف من أثر السد على تدفق المياه إلى البلدين، ودعتا إلى إدارة مشتركة للنهر.
بالنسبة إلى الكاتب والصحفي الإثيوبي، أنور إبراهيم، فإن دولتي السودان مصر كانتا لديهما مخاوف أثناء فترة البناء والتشييد، لكن بعد اكتمال عملية البناء، فلا عذر للدولتين، خاصة أن السد أصبح أمرًا واقعًا والمرحلة المقبلة تتطلب التعاون من أجل التعاون المشترك.
وأوضح إبراهيم في حديثه لـ”أفق جديد”، أن “المرحلة الحالية تتطلب التعاون الإيجابي وطي الخلافات التي ظلت مستمرة طيلة السنوات الماضية، والاستفادة من تجربة أثيوبيا في بناء السد خاصة السودان ومصر”.
بُني السد على النيل الأزرق، أحد روافد نهر النيل الرئيسية، ويولد طاقة كهرومائية متجددة منذ أوائل عام 2022، إذ بدأ التشغيل الأولي للسد قبل نحو ثلاثة أعوام بتشغيل التوربين الأول لتوليد الطاقة الكهربائية، ومن ثم تم تشغيل توربين ثانٍ بعد أشهر قليلة.
تعتبر مياه نهر النيل الأزرق شريان الحياة بالنسبة لدولتي المصب مصر والسودان، حيث تزداد المخاوف من انخفاض مستوى مياه النهر، فقد حذرت دراسة نُشرت في عام 2019 بمجلة “مستقبل الأرض” من أن الطلب السنوي على المياه في حوض النيل قد يتجاوز كمية المياه المتاحة بانتظام بحلول عام 2030.
وعند اكتمال تشغيل السد بالكامل من المتوقع أن يُضاعف الطاقة الكهربائية الحالية لإثيوبيا، إذ لا يحصل حوالي نصف سكان البلاد على طاقة كهربائية ثابتة مستمرة، مما يدفع بالكثيرين إلى الاعتماد على استخدام طاقة تقليدية غير نظيفة مثل الخشب والفحم والغاز.
وسعى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، إلى التقليل من مخاوف بناء السد، وأكد أن سد النهضة الإثيوبي الكبير “لا يشكل تهديدًا”، وأوضح أن السد الجديد يساعد في السيطرة على الفيضانات الكارثية التي تضرب شرق السودان بانتظام، وسيولد الكهرباء للتصدير في منطقة القرن الأفريقي، مما يُعزز جهود خطط التنمية الإقليمية للاتحاد الأفريقي.
لكن وزارة الخارجية المصرية قالت إن الوزير بدر عبد العاطي أرسل خطابًا إلى رئيس مجلس الأمن الدولي حول التطورات الأخيرة في النيل الأزرق، وتنظيم إثيوبيا فعالية للإعلان عن انتهاء وتشغيل سد النهضة المخالف للقانون الدولي.
وأشار الوزير في الرسالة إلى أن “أي تصورات مغلوطة بأن القاهرة قد تغض الطرف عن مصالحها الوجودية في نهر النيل هي محض أوهام”.
وأضاف: “مصر متمسكة بأعمال القانون الدولي في نهر النيل، ولن تسمح للمساعي الإثيوبية للهيمنة على إدارة الموارد المائية بصورة أحادية، وتحتفظ بحقها في اتخاذ التدابير للدفاع عن مصالحها الوجودية”.
ولم يعلق السودان أو يشارك أي مسؤول في حفل افتتاح سد النهضة.
وقال الكاتب والمحلل السياسي عبد المنعم أبو إدريس: “الآن أصبح سد النهضة واقعًا مما يقوي الموقف التفاوضي لأديس أبابا، ولكن أعتقد أن المخاوف من السد تم تضخيمها أكثر من اللازم بالنسبة للسودان بعد أن تم تسريب اتفاقية تبادل المعلومات الموقعة في أكتوبر 2022 فقد تم الاستجابة لكل مخاوفه”.
وأضاف أبو إدريس في حديثه لـ”أفق جديد”: “أما مصر فتحتاج ضمانات بأن لا يتم تغيير طبيعة السد في توليد الكهرباء مع العلم أن طبيعة المنطقة التي أقيم فيها السد لا تصلح لاستخدام المياه للزراعة”.
وتابع: “لكن ما بين مصر وإثيوبيا أبعد من السد هو تنافس تاريخي لقيادة المنطقة”.
ورأى كيفن ويلر، الباحث المشارك في معهد التغير البيئي بجامعة أكسفورد، أن “السودان أول من سيشعر بآثار سد النهضة سواء أكانت إيجابية أم سلبية، إذ يعتمد السكان على النهر كمصدر أساسي لمياه الشرب والزراعة”.
وأوضح ويلر في مقابلة مع (DW) أن السودان سيواجه مخاطر حقيقية نظرًا لوقوعه مباشرة أسفل السد. وأضاف: “بينما يساعد السد في تنظيم الفيضانات، سيحرص السودان على ضمان عدم إطلاق الجانب الإثيوبي لكمية كبيرة أو قليلة جداً من المياه دفعة واحدة”. وتابع: “التنسيق اليومي هو القضية الرئيسية، وبالطبع، سلامة السد قضية أساسية”.
والمشكلة الرئيسية التي تواجه مصر من وجهة نظر ويلر، هي أن إثيوبيا قررت بناء السد دون التوصل إلى اتفاقيات مع الدول المجاورة أولاً. وأكد ويلر أنه منذ أن بدأت إثيوبيا بناء أول سد رئيسي لها عام 2011، سعت مصر والسودان إلى إبرام اتفاق يضمن تدفق المياه، وتنسيق العمليات، وتدابير السلامة، وآلية قانونية لحل النزاعات، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل.
من جهته يقول الباحث الجنوب سوداني، مارتن أجاوين، إن سد النهضة الإثيوبي الكبير الذي يُعد أضخم مشروع مائي في أفريقيا، ما يزال محور جدل إقليمي ودولي بين مصر والسودان وإثيوبيا. غير أن دولة جنوب السودان، رغم ندرة ذكرها في النقاشات، تقف أمام فرصة تاريخية لاستغلال هذا المشروع لصالحها في مجالات الطاقة، الزراعة، والدبلوماسية.
وأشار مارتن، أن سد النهضة يخزن أكثر من 74 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يمنح إثيوبيا قدرة على التحكم في تدفقات النيل الأزرق.
وأضاف: “بالنسبة لجنوب السودان، فإن تقليل تدفق الفيضانات قد يحمي مناطق أعالي النيل التي تُفقد فيها سنويًا مساحات شاسعة من الأراضي بسبب الغمر المائي. تشير التقديرات إلى أن الفيضانات الأخيرة كلّفت الدولة نحو 30 – 40 مليون دولار من خسائر في المحاصيل والممتلكات سنويًا”.
وتابع: “من المتوقع أن يولد السد أكثر من 6,000 ميغاواط من الكهرباء، وهو ما يعادل أكثر من ضعف الاستهلاك الحالي لجميع دول شرق أفريقيا مجتمعة تقريبًا. جنوب السودان، الذي لا يتجاوز معدل وصول الكهرباء فيه إلى السكان 7 – 8% فقط، يمكن أن يكون من أبرز المستفيدين”.
وفي 26 أكتوبر 2022 وقع السودان وإثيوبيا اتفاقًا شكّل الإطار الفني لجميع عمليات الملء والتشغيل اللاحقة لسد النهضة.
وحددت الاتفاقية مستوى التشغيل الدائم لسد النهضة بين 625 و640 مترًا، على أن تلتزم إثيوبيا بتصرف كميات ثابتة من المياه لا تقل عن 300 متر مكعب في الثانية.
ونصت الاتفاقية على تبادل بيانات شهرية تتعلق بالتدفقات الداخلة والإطلاقات المائية والأرصاد الجوية، إضافة إلى بيانات يومية حول مناسيب المياه ومؤشرات جودة المياه، علاوة على تشكيل وإنشاء آلية تنسيق مشتركة معنية بالسد.