السودان بين سلطتين وضغط دولي: هل يقترب موعد إسدال ستار الحرب؟
حاتم أيوب أبو الحسن
بين أنين الخراب وصمت المقابر المفتوحة، يعيش السودان لحظة فارقة قد تحدد مصيره لعقود قادمة. فبينما تتواصل الحرب المدمرة التي أحرقت المدن وشرّدت الملايين، برزت خطوة جديدة زادت المشهد التراجيدي تعقيداً: إعلان سلطة تأسيسية موازية في مواجهة سلطة بورتسودان التي يقودها البرهان. لم يعد الصراع مجرد تنازع على الأرض بالسلاح، بل تمدّد إلى شرعية الحكم ذاته، لترسم البلاد صورة خطيرة لازدواج سلطوي يكاد يقسمها بين واقعين متوازيين لا يلتقيان.
في الداخل، تتعمّق الهوة بين من يمتلك القوة العسكرية ويفرض واقعاً بقبضة السلاح، وبين من يسعى إلى بناء شرعية مدنية تُضفي معنى للسياسة وسط الركام. إن هذا الانقسام لا يعكس مجرد تنازع نفوذ، بل يكشف عن شلل كامل في مركز القرار، حيث تحوّل الوطن إلى فضاء متشظٍّ تحكمه لغة البنادق أكثر مما تضبطه مؤسسات الدولة. ورغم هشاشتها، فإن خطاب “التأسيسية” يحمل رمزية ثقيلة، لأنه يقدّم نفسه كصرخة مدنية في وجه عسكرة السلطة.
أما في الخارج، فقد جاء إعلان الرباعية الدولية (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، الإمارات) عن جدول زمني لإنهاء الحرب بمثابة ناقوس إنذار أخير. فالمجتمع الدولي، الذي ظل يناور بالصبر، بات يرى أن استمرار النزاع يهدد ليس فقط السودان المنهك، بل توازنات الإقليم نفسه، خاصة مع تمدد النفوذ الروسي والإيراني عبر بوابة الخراب السوداني. ولذا، تلوح ملامح مقاربة أكثر حزماً، تمتد من الضغط الدبلوماسي والاقتصادي وصولاً إلى فرض ترتيبات انتقالية عبر مجلس الأمن إذا ما تعذّر التوصل إلى تسوية محلية.
وعند قراءة السيناريوهات المقبلة، تبدو الطرق متشعبة لكنها جميعاً محفوفة بالكلفة الباهظة: استمرار الحرب بما يكرّس واقع “الدولتين” المتناحرتين، أو انخراط القوى المتحاربة في مفاوضات مباشرة تحت ضغط دولي قد يفضي إلى هدنة طويلة، أو القبول بتسوية انتقالية مؤقتة تُدار بإشراف إقليمي ودولي. لكن أياً كان الخيار، فإن النزيف الإنساني تجاوز حدود الاحتمال، والوقت لم يعد في صالح أحد.
وعند هذا المنعطف الحاد، يفرض التاريخ نداءين لا يمكن تجاهلهما:
نداء سياسي إلى القوى السودانية، التي عليها أن تدرك أن استدعاء الخارج لا يصنع شرعية، وأن وحدها تسوية داخلية –مهما كانت شاقة– قادرة على أن تمنح الحكم أساساً متيناً لا تزعزعه العواصف.
نداء إنساني إلى الضمير العالمي، بأن ملايين السودانيين المنهكين من النزوح والجوع يستحقون أن تكون حياتهم أولوية التسويات لا ذيلاً لها، وأن توقف معاناتهم يجب أن يتقدم على كل الحسابات والصفقات.
إن السودان لم يعد أزمة محلية مغلقة على جغرافيته، بل أصبح ساحة يتقاطع فيها نفوذ الكبار ومطامع الجوار. ومع ذلك، يظل جوهر الخلاص رهيناً بإرادة أبنائه، حين يقررون أن زمن البنادق لا يمكن أن يستمر، وأن صوت السياسة والعقل وحده هو ما يفتح أبواب الغد الآتي.
نعود ….