بيان الرباعية.. يضع الإسلاميين في قلب العاصفة
الزين عثمان
في سودان لم يعد كما كان، في بلاد تمزقها الحرب ويعيد تقسيمها الموت، يردّد السودانيون على وسائط التواصل الاجتماعي هاشتاق: “اللهم لا ترفع للحركة الإسلامية راية ولا تحقق لها غاية”.
في سعيها لإنهاء النزاع في السودان، دعت المجموعة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات العربية المتحدة، ومصر، إلى هدنة إنسانية لثلاثة أشهر تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار، مع إطلاق عملية انتقالية تستكمل خلال تسعة أشهر، تفضي إلى تشكيل حكومة مدنية سودانية.
وقالت المجموعة في بيان مشترك: “لا يمكن أن يُملى مستقبل السودان من قبل مجموعات متطرفة عنيفة، هي جزء من جماعة الإخوان المسلمين أو مرتبطة بها بشكل واضح، التي أدّى تأثيرها المزعزع للاستقرار إلى تأجيج العنف والفوضى في كامل المنطقة.”
حمّل بيان الرباعية الحركة الإسلامية والتنظيمات المرتبطة بها مسؤولية مآلات الأوضاع في السودان، ومضى في اتجاه تجريدها من مزايا كانت ترغب في الحصول عليها استنادًا إلى نتائج حرب أبريل.
كما بدا القرار الجديد استمرارًا في مسار تفكيك الحركة الإسلامية وواجهاتها في السودان، باعتباره الطريق الأقصر لإنهاء النزاع السوداني.
سرعان ما قوبل البيان بحالة من الاعتراض والمقاومة لدى المحسوبين على الحركة الإسلامية في السودان، الذين اعتبروه محاولة لإخضاع الشعب السوداني وفرض رؤى بعينها عليه.
ورأوا فيه محاولة لقطع الطريق على انتصارات الجيش ومنح الدعم السريع قبلة حياة جديدة بعد هزائمه الأخيرة في كردفان.
لعب الإسلاميون السودانيون دورًا محوريًا في إفشال مسار الانتقال الديمقراطي، من خلال تقويض الحكومة المدنية الانتقالية السابقة وعملية الاتفاق السياسي الإطاري.
وأسهم هذا السلوك في اندلاع الحرب بين القوات المسلحة والدعم السريع، ولا يزال الإسلاميون المتشددون يعرقلون الجهود الرامية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، فيما يعززون علاقاتهم مع إيران ويتلقون دعمًا فنيًا من الحرس الثوري الإيراني المصنَّف كمنظمة إرهابية.
لم تكتف الولايات المتحدة بكلمات البيان، بل تبعته بإعلان فرض عقوبات على مجموعة البراء بن مالك، وعلى وزير المالية جبريل إبراهيم الذي وصف بالوسيط في التعامل مع إيران.
قرارات الرباعية جاءت مسبوقة بخطوات اتخذها قائد الجيش في وقت سابق، دفعت كثيرين إلى استعادة قول قديم: “يقتلعون من أرض السودان اقتلاعًا”، في إشارة إلى نبوءة محمود محمد طه الذي قال إنهم سيدخلون البلاد فتنة تحيل ليلها نهار دم أحمر، وإن كل دم سوداني يراق اليوم مسؤولة عنه الحركة الإسلامية وكتائبها. ما يعني أن وقف نزيف الدم السوداني يمر عبر تجفيف قدرة الإسلاميين على التأثير في مشهد السياسة، وهو ما يطرح السؤال مجددًا حول مدى جدية الخارج في مواجهة إسلاميي السودان هذه المرة.
بيان الحركة الإسلامية الرافض لبيان الرباعية حمل توقيع علي كرتي، الذي يتهمه كثيرون بأنه المسؤول الأول عن حرب أبريل السودانية. كرتي رفض ما أسماه “الوصايا الخارجية” على السودان، واعتبر أن البيان محاولة عبثية لانتزاع إرادة الشعب والتقليل من مجد انتصارات الجيش. كما وصف محسوبون على التيار الإسلامي البيان بأنه إعادة لإنتاج الاتفاق الإطاري، ووصلت تعبيراتهم إلى حد وصفه بـ”الوقاحة”، خصوصًا بعد ربطه بالعقوبات المفروضة على جبريل إبراهيم ومجموعة البراء، واعتبارها خطوة لقطع الطريق أمام انتصارات الجيش الأخيرة، رغم الإجماع على أن الحرب لا حسم عسكريًا لها.
أما عبد الله حمدوك، رئيس وزراء حكومة الثورة المنقلب عليها ورئيس تحالف “صمود”، فقد رأى في بيان الرباعية تعبيرًا عن رؤية القوى المدنية الساعية لإحلال السلام.
وهاجم حمدوك الحركة الإسلامية قائلًا إنها باتت أشبه بـ”داعش”، مطالبًا بتصنيفها كجماعة إرهابية، وهو التصنيف الذي من شأنه أن يعجّل بنهاية الحركة الإسلامية في السودان كما حدث في مناطق أخرى، معتبرًا أن ذلك قد يسهم في إيقاف الحرب التي ظلت الحركة تشعل نيرانها وتعرقل أي تسوية سلمية.
القرارات الدولية والإقليمية ضد الحركة الإسلامية السودانية تطرح سؤالًا آخر: كيف ستواجه الحركة مثل هذا الموقف؟ ربما جاءت الإجابة مسبقًا عبر بياناتها المتتابعة الرافضة، التي استخدمت ذات اللغة القديمة، متشبثة بخيار الحرب، وموجهة اتهامات لكل من يرفضها بالتبعية للخارج. كما عزفت على وتر مشاركة الإمارات في الرباعية، وهي دولة يصنّفها الإسلاميون كعدو بحسب دعايتهم. لكن أبوظبي لا تُخفي رفضها للمشروع الإسلامي في المنطقة ولا خوضها حربًا ضده، وهو ذات الموقف الذي يتبناه النظامان المصري والسعودي. لذا فإن توصيف الإسلاميين السودانيين بأنهم المسؤولون عن استمرار الحرب لا يبدو غريبًا.
ما يجري اليوم يعيد إلى الأذهان ما حدث قبيل التوقيع على الاتفاق الإطاري، حين خاض الإسلاميون حملة شرسة ضده وهددوا بالحرب، التي كانت تستهدف بالأساس قطع الطريق أمام إقصائهم من المشهد بعد عودتهم عبر الانقلاب. وما يدلل على هذا الاتجاه هو هجومهم على مصر والإمارات والسعودية وقياداتها عبر “الأنصرافي”، صوت الإسلاميين من خلف حجاب، ومحاولتهم تقديم خطابهم باعتباره لسان حال السودانيين.
وهو الخطاب ذاته الذي ساهم بشكل كبير في إفشال المحاولات المتكررة لتسوية النزاع تفاوضيًا.
لكن، وعلى الرغم من ارتفاع صوتهم الرافض لما جاء في بيان الرباعية، فإن الإسلاميون في السودان يبدون على أرض الواقع في أضعف أحوالهم. الحرب التي أشعلوها بدأت ترتد لتصيبهم بدل أن تعيدهم إلى السلطة، ومضاعفاتها الكارثية على المجتمع والدولة تجعل خيار الاستمرار فيها بلا داعمين على الأرض. كما أن رهانهم على تحالفهم مع بعض قيادات الجيش ومع قائد الجيش نفسه لم يعد كما كان، إذ إن البرهان يسعى لإنقاذ نفسه في معركة لم يعد ميدانها يسعهم معًا.
ويقال إن بيان الرباعية الأخير لم يكن سوى شرح لما دار بين البرهان و”بولس” مبعوث الرئيس الأمريكي في الاجتماع المغلق بسويسرا. وهو ما يجعل من صراخهم الحالي أشبه بواقع “ديك المسلمية” الذي يعوعي وبصلة طبخه في النار، بحسب المثل السوداني.