تراجع الإنتاج.. زراعة عطشى والجوع يقترب

أفق جديد

الأرض جرداء، وآلاف الأفدنة الزراعية على وشك الحصاد عطشى وستموت بسبب شح المياه وانسداد قنوات الري بالحشائش والطمي، والموسم الزراعي سيكون خارج دائرة الإنتاج رغم صرخات المزارعين التي ذهبت أدراج الرياح دون أدنى التفاتة من المسؤولين بمشروع الجزيرة.

يقول المزارع خالد صالح لـ”أفق جديد”: “محصول الذرة على وشك الحصاد، لكنه سيموت عطشًا”، ويضيف: “آليات الحفر غابت عن مشروع الجزيرة لسنوات طويلة. والترع الرئيسية ممتلئة بالحشائش، وعيدان الذرة ستموت واقفة بسبب العطش”.

وفي ظل استمرار النزاع المسلح في السودان، وتصاعد معدلات النزوح واللجوء والجوع، تراجع الإنتاج الزراعي بشكل مزعج خلال الحرب رغم امتلاك البلاد لأراضٍ شاسعة تقدر بـ84 مليون هكتار.

ووفق الخبير الاقتصادي هيثم محمد فتحي، فإن نسبة 80% من القوى العاملة تعمل في القطاع الزراعي الذي شهد عملية تدمير واسعة تقدر بنسبة 65%، في ظل نسبة نزوح للمزارعين، مع تعطل سلاسل الإمداد، وتراجع مدخلات البذور والوقود والأسمدة.

وأوضح فتحي في حديثه لـ”أفق جديد”، أن “الاقتصاد السوداني يعتمد على قطاع الخدمات بنسبة 46٪، وعلى القطاع الزراعي 33٪ والقطاع الصناعي بنسبة 21٪”.

 

وأشار الخبير الاقتصادي، هيثم محمد فتحي، إلى خروج ولايات وأجزاء واسعة من السودان من دور الاقتصاد القومي والإنتاج.

وتسببت الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023 في خسائر جسيمة للقطاع الزراعي، شملت تدمير ونهب الأصول من معدات وآليات، وتخريب محطات البحوث الزراعية.

كما تضررت وحدة الموارد الوراثية في الجزيرة، بما في ذلك بنك الجينات الرئيسي الذي يضم أكثر من 17 ألف مورد وراثي. وبلغت تقديرات وزارة الزراعة للخسائر نحو 10 مليارات دولار.

ورأى عضو جمعيات الإنتاج الزراعي والحيواني بمشروع الجزيرة، عباس عبد الله، أن مشروع الجزيرة الزراعي يواجه تحديات كبيرة بسبب الإهمال ما أدى إلى تهديد الزراعة وخروجها من دائرة الإنتاج.

وأوضح عبد الله في حديثه لـ”أفق جديد”، أن الموسم الصيفي فشل تمامًا بسبب العطش وانسداد قنوات الري بالطين والحشائش رغم المناشدات المتكررة من المزارعين.

وأشار إلى أن آلاف الأفدنة خارج دائرة الإنتاج، وأن الموسم الشتوي على الأبواب سيكون مصيره الفشل الذريع حال تكرار مأساة العطش وغلاء الجازولين.

وتأثرت بشدة بالحرب مشاريع كبرى مثل مشروع الجزيرة، وهيئة السوكي الزراعية، وهيئة الرهد، ومؤسسة حلفا الزراعية. وتُقدّر خسائر مشروع الجزيرة وحده بين 15 إلى 20 مليار دولار، بينما بلغت خسائر الرهد أكثر من 65 مليون دولار.

وفي 2 سبتمبر الجاري، قالت منظمة “كير” إن نتائج دراسة أجرتها أظهرت تراجع إنتاج 89% من مزارعي دارفور وكردفان بسبب النزاع.

واعتمدت الدراسة التي جاءت بعنوان: “النزاع، الزراعة والنساء في السودان”، على مسح أسري لـ 492 مزارعًا من أصحاب الحيازات الصغيرة خلال الفترة بين 21 مارس و15 أبريل 2025، إضافة إلى مقابلات ومجموعات نقاش ومصادر بيانات ثانوية.

بالنسبة إلى الكاتب والمحلل الاقتصادي، أحمد خليل، فإن الحرب أدت إلى ضعف الإنتاج والإنتاجية، وأكبر مناطق الزراعة المطرية توجد في دارفور وكردفان، وفعليًا فإن أكثر من 90%% من تلك المناطق هي خارج دائرة الإنتاج لأنها أصبحت مسرحًا للعمليات العسكرية.

وأوضح خليل في حديثه لـ”أفق جديد”، أن “المحاصيل المطرية مثل الذرة والسمسم والفول السوداني وحب البطيخ، وكثير من المحاصيل المنتجة في مناطق الزراعة المطرية، هي الآن خارج عملية الإنتاج”.

ونبه خليل إلى أن خروج مناطق كبيرة من دائرة الإنتاج يؤثر سلبًا على حياة الناس، خاصة المناطق المستقرة التي تعتمد على المحاصيل التي تأتي من مناطق الإنتاج الزراعية. وأضاف: “الحرب أثرت على حياة الناس ونمط حياتهم في الغذاء”.

وتابع المحلل الاقتصادي، أحمد خليل، في حديثه لـ”أفق جديد”: “المشكلة الحقيقية حاليًا تتمثل في توفير الغذاء للمواطنين؛ لذلك فإن هناك تحديات كبيرة تواجه السودان والسودانيين في توفير الغذاء”.

وأفادت منظمة “كير” بأن 76.2% من المشاركين في الدراسة أبلغوا عن فقدان المحاصيل بعد الحصاد، معتبرة ذلك ضربة كبيرة أخرى للإنتاج المحلي والأمن الغذائي.

وأُجريت الدراسة في العباسية وأبو جبيهة ورشاد بولاية جنوب كردفان، وأبو كارنكا وعديلة وبحر العرب بولاية شرق دارفور، إضافة إلى جبل مرة وكاس بجنوب دارفور.

وقالت منظمة “كير”، في نتائج الدراسة، إن “89% من المزارعين أفادوا بتراجع إنتاجيتهم الزراعية بسبب الصراع، فيما ذكر 57.7% من المشاركين في المسح بتأثير انعدام الأمن على قدرتهم على الحصاد”.

وأشارت دراسة منظمة “كير” إلى أن الرجال والنساء كانوا أكثر ميلًا للإشارة إلى أن انعدام الأمن يمثل تحديًا خاصًا يواجه النساء المزارعات، حيث تصل نسبة التحدي إلى 96.6% في جبل مرة و91.1% في أبو جبيهة، وينخفض إلى 39.7% في أبو كارنكا و18.9% في بحر العرب.

 

وأوضحت الدراسة أن نقص الموارد المالية وارتفاع تكاليف الإنتاج يعيقان قدرة النساء على الزراعة في المناطق الريفية.

وتهدف الدراسة إلى تسليط الضوء على التحديات التي يفرضها النزاع على مختلف مراحل الدورة الزراعية، بما في ذلك الزراعة والحصاد والتخزين والبيع والاستهلاك.

وأشار 88.2% من المشاركين في الدراسة إلى أن نقص الموارد يمثل مشكلة بالنسبة للنساء، نظرًا لتراجع سهولة الحصول على التمويل.

وقالت منظمة “كير” إن انعدام الأمن ونقص الأيدي العاملة والضغوط المالية، أدت إلى تقليص عدد المزارعين الذين يزرعون مساحات صغيرة من 20.9% قبل اندلاع النزاع إلى 41.3% بعد نشوب الحرب.

وتواجه الزراعة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات “الدعم السريع” في دارفور وكردفان انهيارًا في سلسلة الإنتاج، بدءًا من البذور والأسمدة والوقود والآليات وانتهاءً بالقدرة على الوصول إلى الأراضي نتيجة لانعدام الأمن.

واعتاد الرعاة في دارفور على إدخال مواشيهم في الأراضي الزراعية عند بداية فلاحة الأراضي وأثناء الحصاد، حيث أسهم الإفلات من العقاب في تزايد هذه الظاهرة.

وقالت منظمة كير إن 64.9% من المشاركين في الدراسة أفادوا بوجود نوع من الاضطراب في الوصول إلى الأسواق، فيما أبلغ 17.5% عن عدم القدرة على الوصول إلى الأسواق؛ بسبب انعدام الأمن وتقلبات الأسعار.

وأشارت إلى أن ارتفاع تكاليف النقل جراء نقص الوقود وتدهور البنية التحتية أسهم في ضعف الوصول إلى الأسواق.

وأضافت: “آثار الضغط الزراعي على الأمن الغذائي للأسر بدأت تضرب بقوة العائلات الزراعية الصغيرة، حيث أوضحت إحدى المشاركات بأنهم يأكلون مرة واحدة خلال اليوم خلال موسم الأمطار، كما أصبح الأطفال ضعفاء ولم يستطيعوا مساعدتنا في الزراعة كما اعتادوا”.

وبيّنت الدراسة أن النساء أكثر ميلًا من الرجال لتبني استراتيجيات تكيّف مثل تقليل الغذاء أو الاعتماد على المساعدات، مما يشير إلى أنهن يعانين من خيارات محدودة للغاية.

ويمثل قطاع الزراعة والرعي مصدر دخل لحوالي 80% من القوة العاملة في السودان، ويسهم بـ32.7% من الناتج المحلي. وشهد مشروع الجزيرة تراجعًا حادًا، حيث انخفضت المساحة المزروعة من 1.1 مليون فدان مستهدفة إلى 505 آلاف فدان فقط، أي تراجع بنسبة 54%.

وقال وزير الزراعة والغابات، أبو بكر عمر البشري، إن الموسم الصيفي الحالي يحتاج إلى دعم قوي من الأجهزة الحكومية، خصوصًا وزارات المالية والزراعة والري، إلى جانب المزارعين.

وأرجع الأزمة إلى تآكل رأس مال البنك الزراعي بسبب الإعسار وعدم سداد التمويل، مؤكدًا ضرورة زيادة رأس مال البنك لمواجهة التحديات.

وكشف الوزير عن مقترح لتكوين صندوق خاص بالزراعة في الولايات، لتوفير الاحتياجات الأساسية مثل الوقود والتقاوى، وطمأن المزارعين المدينين بإعادة جدولة ديونهم على مدى 18 شهرًا كجزء من حزمة تحفيزية.

 كما قال الوزير إن وزارته تسعى لتوفير التقاوى لصغار المزارعين، وتعمل على زيادة رأس مال البنك الزراعي لتعزيز الأمن الغذائي.

وتوقفت الزراعة كليًا خلال الموسم الصيفي الماضي في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، لا سيما في الجزيرة وسنار، بسبب نهب الآليات والتقاوى والأسمدة. ويمثل قطاع الزراعة والرعي مصدر دخل لحوالي 80% من القوة العاملة في السودان، ويسهم بـ32.7% من الناتج المحلي. 

وشهد مشروع الجزيرة تراجعًا حادًا، حيث انخفضت المساحة المزروعة من 1.1 مليون فدان مستهدفة إلى 505 آلاف فدان فقط، أي تراجع بنسبة 54%.

وتشير تقديرات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إلى أن حوالي 24.6 مليون شخص، أي حوالي نصف العدد الكلي للسودانيين، في حاجة ماسة إلى مساعدات غذائية، وهي زيادة كبيرة، عما كان متوقعاً في يونيو عند 21.1 مليون حتى الشهر ذاته.

 

Exit mobile version