محمد إسماعيل – أفق جديد
تحت شعار “قلوبنا مع فاشر السلطان” أطلق الاتحاد العام للتشكيليين السودانيين مبادرة معرض أسفيري افتتح صباح الأربعاء الثالث من سبتمبر. ويعد المعرض عملًا تضامنيًا مع إنسان الفاشر، كما يعد صوتًا عاليًا للفن في وجه الحرب واللامبالاة وصمت العالم الذي اكتفى بمشاهدة فصول مأساة إنسان السودان.
ضم المعرض أكثر من (137) لوحة أبدعها فنانون وفنانات من وجدانهم؛ أعمال تحكي وتوثق وتعبّر عن عمق المعاناة، وفي الوقت ذاته تبحث عن الأمل وحياة جديدة.
هذا المعرض الأسفيري يمثل طاقة إبداعية على طريق المقاومة، وظل الاتحاد العام للتشكيليين السودانيين عبر تاريخه جزءًا أصيلًا من الوجدان الوطني.
في هذا الفضاء الأسفيري المفتوح، كان لنا لقاء مع التشكيلي عصام عبد الحفيظ الأمين العام للتشكيليين السودانيين، وهو أحد الأسماء البارزة في الساحة التشكيلية السودانية.
تخرج عبد الحفيظ في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية (تصميم إيضاحي) منتصف الثمانينيات، وأقام العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل السودان وخارجه، ولوحاته تتميز بمحاولة المواءمة بين التجريد والواقعية.
حدثنا عن مبادرة اتحاد التشكيليين السودانيين “قلوبنا مع فاشر السلطان” التي أثارت الكثير من المشاعر.
*ما هي الشرارة الأولى التي أوقدت فكرة هذا المعرض؟
الشرارة هي الصمت، صمت العالم وهو يرى إنسان السودان في الفاشر وما حولها يذوق مرارة الحرب والجوع والوباء والتشريد والكوارث الطبيعية بلا معين، كما يحدث الآن في جبل مرة.
الفنانون، بوصفهم ضمير الأمة، لا يمكن أن يصمتوا، فكان هذا المعرض سلاحنا، صرخة مدوية ضد اللامبالاة، وتحويلًا للألم إلى ألوان وخطوط تخلّد المعاناة وتنادي بالأمل.
*يحمل المعرض اسم “فاشر السلطان” بشكل واضح لماذا هذا التخصيص في وقت تعم فيه المعاناة كل أرجاء السودان؟
نعم، المعاناة عامة، وهذا مؤلم، لكن ما يحدث في دارفور عمومًا، وفي الفاشر خصوصًا، هو قمة جبل الجليد، وتجسيد حي لمأساة التشرد وانعدام أبسط مقومات الحياة تحت حصار غير مسبوق.
أصبحت “الفاشر” رمزًا للصمود في وجه الموت، وللوحدة في مواجهة محاولات التمزيق، وتخصيصها جاء لتسليط الضوء على كارثة إنسانية محددة قد تغيب وسط الأحداث المتسارعة والصراع السياسي المميت.
ذكر أن المعرض يضم أكثر من (137) لوحة، هل يمكن أن تأخذنا في جولة سريعة داخل عوالم هذه الأعمال؟ ما هي رسائلها؟
الجولة ستأخذك من ألم الدمار إلى بصيص الأمل، ستجد لوحات تجسد بشاعة الحرب ووجوه الأطفال المحرومين من طفولتهم، وأخرى توثق جمال التراث السوداني وتنوعه الثقافي الذي تحاول الحرب طمسه. لوحات تحكي عن النزوح والشتات، وأخرى ترفع شموعًا للسلام.
كل لوحة قصة، وكل لون دمعة أو ابتسامة. رسالتها الموحدة: “كفى، لقد سئمنا… نريد حياة كريمة.”
* ذكرتم أن هذا المعرض يأتي امتدادًا لمعرض “لا للحرب” في نوفمبر الماضي. ما الجديد هذه المرة؟
المعرض السابق كان تأسيسًا، ورفضًا صريحًا للحرب وخطاب الكراهية. أما هذه الخطوة فهي تحويل الرفض إلى فعل ملموس عبر توثيق معاناة محددة (الفاشر)، وتوجيه نداء عاجل للعالم.
الأثر لا يقاس بعدد الزوار فقط، بل بمدى وصول صوتنا.
كل لوحة تنشر على وسائل التواصل هي صفعة على وجه الصمت العالمي، نحن نصنع أرشيفًا بصريًا للمأساة، ونذكّر العالم أن السودانيين رغم الجرح يبدعون ويقاومون.
وجهتم دعوة صريحة للمجتمع المدني والإعلام العالمي. ما الدور الذي تتوقعونه منهم؟ وكيف يمكن للفن أن يكون جسرًا؟
لا نريد تعاطفًا مؤقتًا، نريد فعلاً، نطالب بالضغط السياسي لوقف الحرب فورًا وفتح ممرات إنسانية آمنة، وبالدعم الإغاثي العاجل للوصول إلى المحاصرين في الفاشر وكل شبر من أرض السودان.
كذلك كسر حاجز التعتيم الإعلامي، فالعالم لا يعرف حجم الكارثة، والفن هو الجسر لأنه لغة عالمية لا تحتاج ترجمة.
* هذه اللوحات أدلة بصرية على ما يحدث، نقدم مادة إنسانية يمكن البناء عليها في الحملات الإغاثية والإعلامية.
*ما هي رسالتكم، من خلال هذا الحوار، إلى السودانيين المحاصرين في الفاشر وإلى كل السودانيين؟
رسالتي لهم: لستم وحدكم، قلوبنا معكم، حقاً، فرشاتنا وأقلامنا تحكي قصتكم. نرى جراحكم ونسمع صمتكم المكبوت، ونعدكم أننا لن نسكت حتى يسمع العالم صوتكم. استميتوا كما استمات أجدادكم من أجل هذه الأرض.
وإلى السودانيين في الشتات: انظروا إلى الجمال الذي نصنعه من الألم، وانشروا هذا الصوت. هو هويتنا وسلاحنا. معاً سنكتب تاريخًا جديدًا للسودان، تاريخ يرفض الموت ويحتفي بالحياة.
*أخيرًا، من أبرز المشاركين في هذه التظاهرة الفنية؟
من بينهم: الفنان حسن موسى، الفنان أبو شريعة، عدلان يوسف، زينب كمال، عمر كمال، سارة البدري، حيدر إدريس، شريف مطر، رندا عبد المطلب، فاطمة العقلي، النحات عبد الرحمن شنقل، الفنان والدكتور عبد الرحمن أبو سبيب، عبد الرحمن الزبير، النحاتة أميمة حسب الرسول، التشكيلية سوزان إبراهيم، إجلال أحمد، والفنان عبادة جمعة.
المعرض يضم (137) عملًا فنيًا في الرسم والنحت والتصوير، أغلبها من المدرستين التعبيرية والواقعية، ويشارك فيه فنانون من مختلف الأجيال والاتجاهات.
هذا ليس حصرًا، فقد تنوعت المشاركات لتشكّل تظاهرة تشكيلية نابضة بالحياة.
ولا بد من كلمة شكر لكل من استجاب وشارك في مبادرة الاتحاد لدعم إنسان الفاشر والسودان، ولإعلاء صوت الفن. والشكر موصول للجنة التي نفّذت المعرض في أقل من أسبوعين، في بادرة موحّدة وجميلة للتفكير الإيجابي في كل أزماتنا.
وشكرًا لمجلة “أفق جديد”… ولكل من ينقل صوت الحق.