قِدّام


السر السيد
(قِدّام) هو عنوان الفيلم الوثائقي السوداني، الذي أتيح لي أن أشاهده في أمسية السبت 13 سبتمبر 2025، عندما دعاني مع آخرين الأستاذ محمد لطيف، مدير مؤسسة طيبة برس للإعلام، الذي ظل يضيء أمسيات كمبالا بألوان الفكر والسياسة والفنون، مانحًا منفانا الإجباري الكثير من المعنى والتماسك.
عُرض الفيلم في قاعة الأستاذ محجوب محمد صالح، وبعد العرض قدم الحاضرون والحاضرات وبمشاركة مخرج الفيلم تعليقاتهم وملاحظاتهم حول الفيلم.
عن مخرج الفيلم:
مخرج الفيلم هو الفاعل في الحراك الطلابي وفي لجان المقاومة الشاب حمد جمال، المولود في مدينة الفاشر في العام 1992. تخرج حمد جمال من جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، تخصص “إحصاء تطبيقي”، ثم درس علم الاجتماع في جامعة ليون بفرنسا، وهو حاصل على الماجستير في العلوم السياسية، والفيلم هو تجربته الأولى في الإخراج.
عن الفيلم:
الفيلم من إنتاج “صدفة ميديا”، وهي منصة إعلامية فرنسية مهتمة بالسودان، وقد بدأ الشروع في صناعته منذ العام 2021، وكان عرضه الأول في فرنسا في مايو الماضي.

الفيلم وعلى مدى ساعة كاملة وعبر تآزر مشاهده ولقطاته المتنوعة يحاول أن يبني خطابًا سياسيًا نقديًا يؤسس من خلاله معرفة بالتحولات السياسية في السودان، بتركيز أكبر على فترة نظام الإنقاذ وصولًا إلى ثورة ديسمبر المجيدة في العام 2019 وحتى بدايات حرب الخامس عشر من أبريل 2023، مشيرًا إلى القهر والقمع والحروب، ومقاومة السودانيين والسودانيات المتمثلة في الثورات والانتفاضات والاحتجاجات المتنوعة. جاء تركيز الفيلم على فترة نظام الإنقاذ ربما لأنها الأطول عمرًا في الأنظمة السياسية السودانية، والأكثر قهرًا وقمعًا بينها على المستويات كافة، سياسية وثقافية واجتماعية، أو ربما بسبب أن المستنطَقين في الفيلم كانوا كلهم من اللاجئين الشباب والشابات الذين ولدوا في فترة الإنقاذ أو قبلها بقليل وتفتح وعيهم السياسي خلال مسيرتها، فقد تعرفنا من خلال الفيلم على أنهم جميعًا شباب وشابات كانوا من الفاعلين السياسيين الذين شاركوا بفعالية في مقاومة النظام، وتعرضوا للاعتقال والمطاردة ومن ثم الهجرة إلى أرض الله الواسعة، ومن بينها فرنسا، المكان الذي تحرك فيه الفيلم، ولا يزالون يواصلون نضالاتهم في منافيهم الإجبارية.
استخدم الفيلم وهو يبني قوله، تقنيات التعليق، والإفادة المباشرة، أو الناتجة من الحوار الذي يديره المعلق مع الضيف/الضيفة، أو من المقابلة الإذاعية التي تديرها مذيعة فرنسية في الاستديو مع بعض المستنطَقين، أو من المحاضرة التي يقدمها المعلق لبعض الأجانب، إضافة إلى الأرشيف الذي نقل عبره المخرج إرث مقاومات السودانيين، والتظاهرات إبان ثورة ديسمبر، ومشاهد من ميدان الاعتصام، ومشاهد من أركان النقاش في الجامعة، وأغنية للفنان محمد وردي وأخرى للفنان مصطفى سيدأحمد، كما إنه نهض على التنقل في أكثر من مكان وهو يبني مشاهده، فقد توزعت مشاهده في انتقال يجمع بين الطول والقصر، وبين التتابع السلس وبما يشبه القفز، بين شوارع باريس وساحاتها، وبين البيوت، وفي المترو، وفي المطبخ المنزلي، وكل هذا مع تنوع في اللقطات تفرضه طبيعة الإفادة، فقد شاهدنا إفادات ذات طبيعة فكرية، وأخرى ذات طبيعة سياسية، وثالثة ذات طبيعة شخصية تتعلق بذكريات شخصية قاسية في المعتقل أو التعرض لما يعرف باغتيال الشخصية، أو الخوف الذي يصيب أسرة المستهدَف من الأجهزة الأمنية.
هذا الفيلم الذي يمكن القول إن مقولته الكلية هي إنتاج خطاب سياسي مضاد يكشف خطاب القهر والقمع والشمولية وصناعة الحروب، ويدعو لخطاب يقوم على العدالة والحرية والسلام واحترام الاختلاف، كان يستهدف بالأساس المشاهد الأجنبي خاصة الأوروبي لذلك نجده- أي الفيلم- قد استخدم ثلاث لغات هي العربية فصيحة وعامية، والفرنسية، ثم الإنجليزية في الترجمة، وهذا استهداف أرى من جانبي أنه ضروري بسبب أن ما يدور في السودان من بشاعات لا يجد أصداء كبيرة على مستوى العالم خاصة في الغرب، ولعل دليلنا هنا هذه الحرب المدمرة التي لم ينشغل بها صناع الرأى والسياسة في العالم كبير انشغال.
إن فيلم (قِدّام)، فيلم جدير بالمشاهدة وإنه يمثل خطوة واثقة في مشوار مخرجه الشاب حمد جمال.
ختامًا، هناك ملاحظتان من بين ملاحظات كثيرة جديرتان بالتأمل، سأوردهما من غير تعليق وهما:
الملاحظة الأولى، هي أن الفيلم لم يقدم إفادات لغير الفاعلين السياسيين من اللاجئين واللاجئات وكأن غيرهم لا يتوفرون على قول أو موقف سياسي.
الملاحظة الثانية وهي أن الفيلم لم يتوقف كثيرًا عند الحرب الراهنة.
أشير إلى أنه في ختام المشاهدة قد أتيحت الفرصة لمخرج الفيلم ليعلق على تعليقات الحاضرين والحاضرات، وقد فعل وبالكثير من المحبة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى