
حاتم أيوب أبو الحسن
في خطوة وُصفت بأنها نقطة تحول في مسار الأزمة السودانية، يبرز احتمال تمرير قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يقضي بتجميد أو سحب التمثيل الدبلوماسي للسودان إلى حين قيام حكومة ديمقراطية أو منتخبة. هذه الخطوة لا تبدو مجرد إجراء بروتوكولي، بل تحمل دلالات سياسية وقانونية عميقة، وترسم ملامح مرحلة جديدة من الضغوط الدولية على أطراف الحرب في السودان.
القرار في جوهره يسحب ورقة الشرعية من السلطتين القائمتين: سلطة الجيش في بورتسودان وسلطة الدعم السريع التي ليس لها تمثيل سابقًا .
فكلاهما أصبح – في نظر المجتمع الدولي – طرفين فاقدين للأهلية السياسية لتمثيل السودان في المنابر العالمية. ومن الناحية الدبلوماسية، فإن تجميد مقعد السودان في الأمم المتحدة يقطع الطريق على أي محاولة لتكريس أحد الطرفين كسلطة أمر واقع، ويضع شرطاً أساسياً: لا تمثيل بلا شرعية ديمقراطية.
على الصعيد الداخلي، يحمل القرار انعكاسات مزدوجة. فمن جهة، يزيد من عزلة السلطتين ويضعف قدرتهما على استثمار الاعتراف الخارجي كورقة ضغط، ومن جهة أخرى قد يفتح الباب أمام القوى المدنية لتوحيد صفوفها خلف مشروع انتقالي مقبول دولياً. غير أن ذلك لا يخلو من مخاطر؛ إذ قد تعتبر إحدى السلطتين أن القرار يستهدفها لصالح الأخرى، ما قد يدفعها لمزيد من التصعيد العسكري لإثبات وجودها على الأرض.
قانونياً، لا يمنح القرار نفسه عقوبات مباشرة كما يفعل مجلس الأمن، لكنه يوفر غطاءً سياسياً يمكن البناء عليه لاحقاً لتوسيع نطاق التدابير الدولية ضد من يعرقل السلام. كما أنه يعني عملياً غياب صوت السودان من المنظمات الدولية لحين ولادة سلطة ذات شرعية.
اللافت أن هذا التوجه ينسجم مع مبادرات “الرباعية الدولية” (أمريكا، بريطانيا، السعودية، الإمارات) التي تطرح منذ أشهر رؤية تقوم على وقف الحرب والانتقال نحو حكم مدني. فتجميد التمثيل الدبلوماسي يضعف الطرفين المسلحين معاً، ويجعل معيار الشرعية محصوراً في حكومة انتقالية مدنية أو منتخبة، وهو ما يعزز الضغط باتجاه قبول مسار الرباعية كأقصر طريق نحو السلام.
أما على مستوى التوقعات، فإن المدى القريب قد يشهد عزلة متزايدة للأطراف المتحاربة وفقدانها لأي غطاء دولي. وعلى المدى المتوسط، يمكن أن تنشأ نافذة للتسوية السياسية برعاية أممية وإقليمية، خاصة إذا تم ربط القرار بخطوات عملية لدعم وقف إطلاق النار. لكن نجاح ذلك يبقى مرهوناً بمدى قدرة القوى المدنية على استثمار اللحظة وتقديم بديل موحد وواقعي.
في المحصلة، لا يمثل القرار مجرد رسالة سياسية بل تحوّلاً في قواعد اللعبة: المجتمع الدولي يعلن بوضوح أنه لن يمنح الشرعية لسلطات السلاح، وأن الطريق الوحيد إلى تمثيل السودان في العالم يمر عبر صندوق الاقتراع أو توافق وطني واسع على حكومة انتقالية.
لكن خلف لغة القرارات الأممية تبقى الحقيقة الأثقل: المدنيون هم من يدفعون الثمن يومياً. ملايين السودانيين يعيشون بين الخوف والجوع والتشرد، أطفال بلا مدارس، وأسر بلا مأوى، ومرضى بلا دواء. وإذا كان المجتمع الدولي جاداً في ربط الشرعية بالحكم الديمقراطي، فعليه أن يربط ذلك أيضاً بمسؤولية عاجلة تجاه إنقاذ الأرواح ووقف نزيف الدم. فالسلام ليس مطلباً سياسياً فحسب، بل هو صرخة إنسانية يطلقها كل بيت سوداني .
نعود