في فصل دراسي بسنجة .. قصة ياسمين، الطفلة (14 عاماً) التي أنجبت طفلاً تحت القصف


بقلم: إين شويبس

بينما كان سكان مدينة سنجة يفرّون بحثًا عن النجاة من هجومٍ قوات الدعم السريع ، كانت فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا تضع مولودها الأول داخل أحد الفصول الدراسية. قصة مؤلمة روتها نورا إنجدال، المديرة الدولية لمنظمة “أنقذوا الأطفال”، بعد عودتها من زيارة استمرت عشرة أيام إلى السودان.

تقول إنجدال: “لكي نفهم ما يحدث في السودان، لا بد أن نلتقي بالناس ونسمع حكاياتهم.” كانت هي وزملاؤها من أوائل العاملين الإنسانيين الأجانب الذين تمكنوا من دخول البلاد منذ اندلاع الحرب، بعد حصولهم على تأشيرات نادرة.

خلال جولتها التي شملت ولايات البحر الأحمر ونهر النيل وكسلا والجزيرة وسنار والنيل الأزرق، توقفت إنجدال في مدرسة الزهراء للبنات بمدينة سنجة. هناك التقت بفتاة أطلقت عليها اسمًا مستعارًا “ياسمين”، لحماية هويتها. جلست الطفلة على المقعد المدرسي تحمل ابنها الرضيع، الذي ولدته في اليوم نفسه الذي اجتاح فيه المسلحون مدينتها في 30 يونيو من العام الماضي.

قبل عامين، كانت ياسمين مجرد طفلة في الثانية عشرة حين تعرضت لاعتداء من رجل مسنّ في حيّها. فقدت والديها باكرًا ونشأت مع جدتها، لكنها وجدت نفسها مجبرة على الزواج من المعتدي، بعدما عجزت الجدة عن توفير الغذاء والرعاية في ظل حصار المدينة.

ورغم هذه الظروف القاسية، رفضت ياسمين الاستسلام. فمع عودة الأطباء والمعلمين إلى المدينة بعد انسحاب الدعم السريع ، أصرت على متابعة تعليمها، وحصلت على دعم من معلميها والأخصائيين الاجتماعيين بدعم من منظمة “أنقذوا الأطفال”. تقول إنجدال: “التعليم بالنسبة للأطفال هنا ليس مجرد حق، بل وسيلة للبقاء على قيد الحياة.”

التعليم أيضًا أصبح قناة لنقل رسائل توعوية أساسية، مثل كيفية تجنب الكوليرا التي تفشت في البلاد نتيجة انهيار شبكات المياه والصرف الصحي.

لكن الحرب لم تترك مجالًا كبيرًا للتنفس. فبينما استقرت الأوضاع نسبيًا في شرق السودان، شهد غرب البلاد – خاصة مدينة الفاشر – مآسي متواصلة. الأمم المتحدة تصفها بـ”مركز الكارثة الإنسانية”، حيث يفتقر الناس للطعام وتُستخدم المساعدات كسلاح في الحرب. الأسبوع الماضي فقط، قُتل أكثر من 70 شخصًا، بينهم 11 طفلًا، في قصفٍ استهدف مسجدًا. كما أدى هجوم بطائرة مسيّرة على سوق شعبي إلى مقتل وإصابة العشرات.

المعاناة لا تقتصر على المدنيين، بل طالت عمال الإغاثة أنفسهم. ففي الصيف الماضي قُتل خمسة منهم أثناء مرافقتهم قافلة مساعدات. يقول إنجدال: “في كل الصراعات، تصبح المساعدات موردًا يتم التلاعب به. لكن في السودان، تحولت بشكل صريح إلى أداة حرب.”

الوصول إلى السودان يشكّل تحديًا إضافيًا للعاملين الإنسانيين. فالتأشيرات نادرة، والإجراءات طويلة ومعقدة، وغالبًا ما يُفرض على الموظفين قيود على الحركة، فلا يُسمح لهم بالسفر أبعد من بورتسودان إلا بموافقات خاصة من الجيش أو قوات الدعم السريع. وحتى عندما تُمنح الموافقات، تبقى القيود الأمنية واللوجستية خانقة.

تروي إنجدال تفاصيل رحلتها قائلة: “كنا مضطرين للسفر بثلاث سيارات لأن القواعد لا تسمح بأكثر من أجنبي في كل مركبة.” وتضيف أن استئناف الخطوط الجوية التركية لرحلات محدودة إلى بورتسودان أعطى بارقة أمل بأن الأوضاع في الشرق قد تكون أكثر استقرارًا.

ورغم ذلك، ما زال السودان يعاني من غياب التغطية الإعلامية الدولية. فباستثناء جهود بعض الصحفيات مثل يسرا ونعمة الباقر العاملتين في سكاي نيوز وسي إن إن، يندر وجود صحفيين على الأرض. تقول إنجدال إنها لم تر أي مراسلين خلال زيارتها الأخيرة، في حين قُتل 14 صحفيًا منذ اندلاع الحرب، ويقبع آخرون خلف القضبان.

هذه الظروف انعكست على ترتيب السودان في مؤشر حرية الصحافة، إذ تراجع إلى المرتبة 156 من أصل 180 دولة. ويقول مدير الأخبار الخارجية في هيئة الإذاعة النرويجية (NRK) إن بلاده بحاجة لتغطية أوسع للشأن السوداني، خاصة وأن النرويج لعبت دورًا بارزًا في جهود السلام بالسودان في السابق، كما أن الجالية السودانية في النرويج كبيرة نسبيًا.

تختم إنجدال حديثها برسالة واضحة: “السودان ليس بعيدًا كما يتصور البعض. إنه ليس كوكب المريخ. هذه أزمة إنسانية تستحق أن ينظر إليها العالم بجدية.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى