هل تنجح واشنطون في نزع فتيل أزمة السودان؟

أفق جديد

في محاولة أخرى لإيقاف الحرب في السودان وإنهاء المعاناة الإنسانية تسعى الإدارة الأمريكية لعقد محادثات مباشرة بين طرفي النزاع لاستعادة السلام وتلبية الاحتياجات الإنسانية.

وأكد مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي لشؤون إفريقيا والشرق الأوسط أن طرفا الحرب في السودان، الجيش وقوات الدعم السريع، “يقتربان من محادثات مباشرة لإنهاء إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم”.

وقال بولس، في تصريحات أوردتها وكالة “بلومبيرغ”، إن الجيش السوداني والدعم السريع يقتربان من محادثات مباشرة لإنهاء إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

وكشف مستشار الرئيس ترامب أن الولايات المتحدة تجري مناقشات مع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للاتفاق على مبادئ عامة للمفاوضات.

وقال إن أيًا من الطرفين لا يسيطر على الوضع الراهن لذا كلاهما مستعد للتحدث. وأضاف: “نأمل أن نتمكن من الإعلان عن شيء ما قريبًا جدًا”.

وأوضح أن قوات الدعم السريع وافقت على السماح لشاحنات المساعدات بدخول مدينة الفاشر المحاصرة، وقد بدأت بعض الإمدادات بالتدفق بالفعل والأمور بدأت تتبلور الآن.

وعقب الاجتماع، قال بولس في تغريدة على حسابه في منصة إكس: “أكدت البلدان الأربع مجددًا على أهمية إنهاء النزاع في السودان واستعادة السلام، وتلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب السوداني. لقد طال أمد هذه الحرب بما فيه الكفاية، والرئيس الأميركي يريد السلام”.

وكرر رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة السودانية، عبد الفتاح البرهان، في أكثر من مناسبة أنه “لا تفاوض ولا حوار مع قوات الدعم السريع، إلا بعد إخلاء كل المدن التي تسيطر عليها، وتجميع قواتها في معسكرات يتم الاتفاق عليها”.

بالنسبة إلى القيادي في التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود”، خالد عمر يوسف، فإن تصريحات مسعد بولس إيجابية للغاية، وتطور نوعي ينذر بتزايد الفرص لوقف النزيف وتضميد جراح الملايين المتضررين من الحرب قصفًا وجوعًا ومرضًا في أرجاء واسعة من السودان، وهو ما يتطلب مضاعفة الجهود المحلية لدعم هذا المسار وعدم السماح لأي جهة كانت بأن تفسد هذه المبادرة المهمة والجادة، خصوصا على ضوء ما شهدته الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام من اهتمام كبير ودعوات جماعية لوقف القتال وحل النزاع سلمًا بين الأطراف السودانية.

وأوضح يوسف في مقالة نشرها في صفحته الرسمية عبر “فيسبوك”: “هذا التسارع في خطوات إحلال السلام يفسر ما نشهده هذه الأيام من ارتفاع لأصوات عناصر المؤتمر الوطني وحركته الإسلامية في الهجوم على قيادة القوات المسلحة، فهذه الجماعة لم تكن يوماً مع الجيش كما تدعي بل هي مع الحرب، هذه صنعتها ومبتغاها وتجارتها التي تتكسب منها، وما أحاديث الدفاع عن الدولة ومؤسساتها إلا “قميص عثمان” يرفعونه كغطاء لمخططاتهم الآثمة ليس إلا”.

وأضاف: “يجب أن تتم مواجهة هذه الجماعة وفضح ما تقوم به من دور تخريبي، والا يسمح لهم بتاتاً بإطالة أمد معاناة أهل السودان جراء استمرار هذه الحرب الإجرامية البغيضة”.

خطوة متقدمة

من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي، عثمان ميرغني: “مجرد القبول بالتفاوض هو خطوة متقدمة تعني الرغبة في الخروج من نفق الحرب، ولكن معطيات ودوافع هذه الحرب سياسية بالدرجة الأولى. بل وتتركز في الاستحواذ على السلطة”.

وأوضح ميرغني في حديثه لـ”أفق جديد”، أن إنهاء الحرب يتطلب مدخلًا سياسيًا وليس عسكريًا، الوصول إلى اتفاق سياسي يعني إما استيعاب المسار السياسي في العملية التفاوضية أو إعطاء الأطراف العسكرية أدوارًا سياسية وهو أمر يرفضه الشعب والمجتمع الدولي.

وأضاف: “أتوقع ألا تثمر المفاوضات بين الجيش والدعم عن شيء وقد تكون تمديد لعمر الحرب”.

ظلال إقليمية

من جهته يقول الكاتب والمحلل السياسي، فائز الشيخ السليك: “ليس من السهل التكهن بنجاح أي محادثات سلام بين الجيش والدعم السريع بسبب تعقد الأوضاع ووجود حروب عديدة داخل الحرب الكبيرة”.

وأضاف السليك في حديثه لـ”أفق جديد”: “الإسلاميون أشعلوا الحرب بغرض إعادة ترسيم المشهد السياسي بالدماء ودفن ديسمبر المجيدة، لذلك ليس من مصلحتهم وقف الحرب لا سيما وأنهم يسيطرون على قرارات الجيش والمؤسسات الأمنية والعسكرية بالإضافة إلى ميليشياتهم الخاصة”.

وأردف: “هناك أيضًا أجندات قبلية تتمثل في حاضنة الدعم السريع من غرب السودان وقطاعات من الشمال،  مثلما توجد تأثيرات وظلال إقليمية. في أحسن الأحوال يمكن أن ينحني الطرفان تكتيكيًا للضغوط الأمريكية وحلفائها في الرباعية، ويمكن أن يذهبا للتفاوض لكن سيضعان العقبات وحتى لو وقعا سيكون الأمر في تنفيذ ما يتفقان عليه. الوضع ليس هينًا، بل في غاية التعقيد”.

بدوره رأى الكاتب والمحلل السياسي، خالد عبد العزيز، أنه في الظروف الحالية من الصعب أن يتم إحراز تقدم أو اختراق كبير في المفاوضات، لأن هناك اشتعال في المعارك بالذات في محاور كردفان والفاشر وزاد الأمر تعقيدًا بعد إعلان قوات الدعم السريع حكومة تأسيس. كل طرف يريد الضغط على الآخر وكل طرف يعتقد أنه يستطيع أن يكسب المعارك، وكل طرف يريد أن يوطد حكمه في المناطق التي يسيطر عليها.

 

وأضاف عبد العزيز في حديثه لـ”أفق جديد”: “لا يمكن الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار دون توفر إرادة حقيقية من الطرفين بإيقاف الحرب والوصول لاتفاق سلام وتصور واضح لهيكلة الحكم في السودان ومستقبل الدعم السريع، لأن مستقبل الدعم السريع وممثليه من أكثر الأمور تعقيدًا”.

وتابع: “من الصعب على الجيش في الوضع الحالي أن يقبل مرة أخرى بالدعم السريع شريكًا في الحكم في أي اتفاق سياسي أسوة باتفاق أديس أبابا الذي تم في السودان بين حكومة الرئيس نميري والمجموعات التي كانت تحمل السلاح على الدولة بقيادة جوزيف لاقو، أو نموذج اتفاق نيفاشا في 2005، أو نموذج اتفاق أبوجا. من الصعب الوصول إلى هذه الصيغة في هذه الظروف المعقدة”.

وزاد: “الأوضاع في السودان شديدة التعقيد والحرب أنتجت أوضاعًا أكثر تعقيدًا، من الصعب الوصول إلى اتفاق دون الوصول إلى توفر إرادة من الطرفين والموضوع يحتاج إلى بعض الإجراءات لكسب الثقة بين الطرفين وإطلاق حوار سياسي بين الأطراف السياسية”.

وأوضح أن الأزمة في السودان في جوهرها أزمة سياسية في عدم مقدرة القوى السياسية السودانية منذ عقود متطاولة في دولة ما بعد الاستقلال حتى الآن في الوصول لنقاط اتفاق على القضايا الأساسية حول نظم الحكم والهوية والدولة والدستور والقبول بالآخر والحوار والانتخابات.

ونوه عبد العزيز إلى أن الوضع يحتاج إلى مجهود أكبر وإرادة سودانية أكبر ورغبة في التوصل إلى تسوية سياسية واتفاق يخرج السودان من الأزمات المتلاحقة والحروب. حتى الآن لا يلوح أي أفق للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، والجهود الدولية والإقليمية مهمة لكن العامل الداخلي وتوفر الرغبة في إيقاف الحرب والحوار بين الأطراف التي تحمل السلاح، وبين الأطراف السياسية وما بين الأطراف المجتمعية والمجتمع المدني هي التي يمكن التعويل عليها في إنهاء الحرب، والوصول إلى صيغة لسلام سياسي واجتماعي ومعالجة الأسباب التي أدت إلى الحرب ومعالجة الأسباب الناتجة عن الحرب مثل التشرد والنزوح وتعويض السرقات الكبيرة التي تمت، ولا يمكن التوصل إلى اتفاق دون تطبيق مبدأ العدالة وعدم الإفلات من العقاب، خاصة وأن الإفلات من العقاب في الحروب السودانية أدى إلى تكرار الحروب مرة أخرى، لذلك العدالة جزء أساسي خاصة وأن ملايين السودانيين تضرروا من الانتهاكات الواسعة والتجاوزات الكبيرة أثناء الحرب إذا كانت في دارفور أو الجنينة والخرطوم وكردفان وسنار، لذلك لا بد من المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.

وفشل اتفاق سابق بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، استضافته العاصمة البحرينية المنامة في يناير 2024، تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى من قِبل قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم حمدان دقلو، وعضو مجلس السيادة، نائب القائد العام للجيش السوداني، شمس الدين كباشي.

ووقع طرفا النزاع في مطلع مايو 2023، على اتفاق مبادئ “إعلان جدة” لحماية المدنيين، بوساطة من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، لكنهما لم يلتزما بتنفيذه على الأرض.

كما تعثرت جولات أخرى للتفاوض بين الطرفين، كانت قد دعت لها الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية، بسبب غياب وفد الجيش السوداني، لكن الوسطاء نجحوا في الوصول إلى تفاهمات غير مباشرة لفتح كل المعابر البرية لإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من القتال في إقليم دارفور غرب البلاد.

وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب في السودان، بما يجنب البلاد كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال.

ومنذ  منتصف أبريل 2023، يشهد السودان حربًا بين الجيش وقوات الدعم السريع، خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.

 

Exit mobile version