صدر حديثًا: الوجه والمرآة .. دراسة في سيرة نسوية مختارة

 محمد إسماعيل – أفق جديد 

 صدر مؤخرًا كتاب جديد للناقد والأكاديمي الدكتور مصطفى محمد أحمد الصاوي بعنوان الوجه والمرآة – دراسة في سير نسوية مختارة، جاء في 153 صفحة، عن دار المصورات للنشر.

يرى المؤلف أن السيرة الذاتية لا ينبغي أن تُختزل في كونها مجرد فضفضة أو حكايات شخصية مبعثرة، بل هي شكل من أشكال الأدب الحديث في السودان، رغم قدم ممارسة كتابة الذات في الثقافة المحلية.

 كتبت الدكتورة إشراقة مصطفى حامد في مقدمة الكتاب: إن قيمة هذا العمل تكمن في تسليط الضوء على سير نسوية سودانية، في وقت عصيب تمزقه الحروب وتثقل كاهله النزوح والتشرد، حيث دفعت النساء أثمانًا باهظة في حرب أتت على الأخضر واليابس وتتفتح هذه السير في فضاء المعرفة ضمن مشروع بادرت به منظمة مندى لثقافة السلام وإدارة التنوع بالتعاون مع دار المصورات.

 وتأمل إشراقة، كما المؤلف، أن تلهم هذه التجربة نساء أخريات لخوض مغامرة كتابة سيرهن الذاتية وتسجيل رؤاهن وأحلامهن، وهو ما يعكس إيمان الدكتور الصاوي بأن التغيير الاجتماعي لن يتحقق دون أصوات النساء.

 تعددت النظرة :

 السيرة الذاتية بوصفها وثيقة تاريخية أو انثربولوجية أو حتى نفسية لذا تعددت مناهج النظر إليها في التحليل وفقًا لتخصص المؤلف نفسه على السيرة الذاتية النسوية، وقد تحكم في هذا الاختيار عدة عوامل منها ذاتي يتعلق بشغف المؤلف بالكتابة عن السير الذاتية بصدد مفهوم الكتابة النسوية، فإن الدكتور مصطفى الصاوى يرى أنها كتابة تلجأ فيها المرأة إلى توظيف الأدب كأداة للاحتجاج على أوضاعها الاجتماعية والأسرية والتعليمية، والسياسية، وعلى أوضاع المرأة داخل المجتمع الذكوري.

وتستند هذه الكتابة على أساليب أدبية محضة وجمالية لا تتبنى فيها أي موقف مسبق من الرجل غير تلك المواقف التي يفرضها السياق ووضعيات الشخوص.

 وأدب السير هو جنس أدبي قديم وهو أولًا جزء من علم تدوين التواريخ من الناحية المنطقية ومن ناحية التسلسل الزمني، ولا تميز السيرة في منهجها بين رجل الدولة والرجل الذي لا يلعب دورًا في الحياة العامة.

يقول الصاوي في كتابه (الوجه والمرآة) إن أي حياة مهما كانت ستكون مقنعة إذا رويت بصدق، والسيرة لغة تتكون من وحدتين معجميتين سيرة وتعني قصة حياة إنسان. والثانية ذاتية، وهذه ترتبط وتحيل إلى منتج النص السيرة الذاتية ما زالت قيد التخلق والتكوين وعلى وشك التأسيس، وأن الأوان لم يحن بعد لكي نعرفها على غرار الأجناس الآخرين، بأنها نوع من الحداثة بحيث لا يمكن أن نعدها جنسًا أدبيًا بحق.

قارئ فضولي

يرى الكاتب أن هنالك دوافع عديدة لكتابة السيرة منها تعلق كل كاتب سيرة سواء ذكرها واضحة وصريحة أو جاءت مضمرة إلا أنها في كل الأحوال تعتبر قولًا حاسمًا يتعلق بمسيرة حياة كاملة أو موقفًا تجاه قضايا تخص الوجود. كاتب السيرة الذاتية لا يكتبها لنفسه بل هناك قارئ فضولي ينتظر، والكاتب بذلك يكون إزاء المخاطر الملازمة لكتابة هذا الجنس نتيجة لجعل الكاتب حياته الخاصة أمرًا مشاعًا بين الناس.

ويرى أن هنالك الكثيرين من كتاب السيرة الذاتية تبارى الكثير منهم في إبراز بواعثهم لتدوين سيرهم الذاتية، وهذه البواعث على اختلافها يمكن أن تفسر للقارئ كتابة هذا النوع، وإن ثمة بواعث أخرى منها الباعث النفسي وتتمثل في التلذذ بإعادة الماضي وإثبات الذات في زمن لاحق نوستالجيا.

فجر المتعلمين

 وقد ارتبطت نشأة السير والمذكرات في السودان بتشكيل مفهوم الوطنية والوعي السياسي والتعليم الحديث الذي انفتح على آفاق فكرية وحضارية، وهذا ما أطلق عليه المؤرخ السوداني محمد سعيد القدال (فجر المتعلمين) وتلك لحظة حاسمة ومفارقة، هذه اللحظة وضعت السودانيين في مواجهة المستعمر، حيث تعمق مفهوم الوطنية والإحساس بالتفكير الجمعى في مواجهة الغازي المحتل مما أفضى على قول القدال إلى ظهور أشكال أدبية جديدة بأثر تلك المشاعر وقد تضمنت المقال السياسي، والقصيدة الشعرية، والقصة القصيرة والرواية.

وفي ظل هذا الوضع أدت الجمعيات الأدبية دورًا مهمًا في التمهيد للحركة السياسية الحديثة.

فن عصي على التصنيف

يؤكد المؤلف على أهمية نصوص السيرة الذاتية والأجناس التي تجاورها (المتن بشقيه). 

ويضيف: لا يمكن مقاربة نصوص المتن إلا من داخلها والعمل على كشف نسيجها اللغوي وأساليبها ومحمولاتها الدلالية ومقاربة خصوصيتها واختلافها، مع التأكيد أيضًا على أن السيرة الذاتية فن عصي على التصنيف ولها تداخلاتها مع الرواية وفيها بعد تاريخي، ويمكن النظر إليها بوصفها وثيقة اجتماعية ونفسية، بل إن البعض يتحدث عن أدبيتها أو عدمها. مردفًا: إن كتابة السير النسوية في حد ذاتها نضال يمنح القراء فهمًا أعمق لتعقيدات واقعنا السوداني. 

وضم الكتاب مذكرات كل من: فاطمة أحمد إبراهيم، نفسية كامل، خديجة صفوت، نفسية محمد الأمين، نفسيه الشرقاوي، حياة عبد الكريم محمد طه، رجاء حسن خليفة، بدور عبد اللطيف، فاطمة عائد، إشراقة مصطفى. 

وأكد المؤلف في سفره إن السيرة الذاتية النسوية هو بحث وتقصٍ، و سبق لمؤلف أن اصدر كتابًا عن السير والمذكرات في السودان.

الكتاب نهض على مقدمة وثلاثة فصول: 

الفصل الأول:

هو الإطار النظري للدراسة تضمن مفهوم السيرة الذاتية لغة واصطلاحًا والميثاق السيرى. وأنماط الكتابة عن الذات وبواعث كتابة السيرة الذاتية وما يجاورها من أنواع ونشأة وتطور السيرة الذاتية بالسودان ثم السيرة النسوية.

الفصل الثاني:

وتضمن سرديات الكتابة النسوية من خلال عرض وتحليل نماذج لنساء كتبن أشكالًا مجاورة للسيرة. وختم الفصل بتوضيح أثر الصورة الفوتوغرافية في إثراء كتاباتهن الشخصية.

الفصل الثالث:

وهو المتن الرئيسي فقد قارب المؤلف د. مصطفى الصاوي فيه سيرة الدكتورة إشراقة مصطفى حامد بجزأيها (أنثى الأنهار.. والدانوب يعرفني) بوصفها سيرة ذاتية مكتملة الأركان. تضمنت المقاربة في مقدمات السرد السيري. وفعل الكتابة. وبنية السرد وهي الزمان – والمكان – والبناء اللغوي. واختتم الفصل بتبيان التجليات النسوية في سيرتها.

يعتبر كتاب (الوجه والمرآة) لمؤلفه الدكتور الناقد مصطفى محمد أحمد الصاوي صوتًا ملهمًا ليس للسودانيات فحسب ولكن لكل من تتاح لها قراءة هذا السفر الذي يغوص في سير نسوية مختارة من السودان، ويقدم فيه الدكتور الصاوي رؤى عميقة ومفاهيم نسوية تستكشف القضايا المتعلقة بالقضايا النسوية التي تناولها في هذه الدراسة. 

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى