كيف يمكن للزراعة أن تصنع السلام في السودان 1-3

تقديم

هذه ورقة كتبها الأخ الباشمهندس حسن علي سنهوري، منسق فريق عمل التحول الزراعي في مكتب رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، وذلك بعد جهد متواصل مع نخبة من الخبراء والممارسين في القطاع الزراعي.

كنتُ في تلك الفترة مستشارًا عالميًا لمشروع التحول الزراعي، واطلعت عن قرب على النقاشات والتصورات التي كانت حجر الأساس لهذه الورقة. وتناقشت في شأنها مع الدكتور حمدوك. توقف عمل الفريق بعد انقلاب  25 أكتوبر 2021. غير أن عملنا الفكري لم يتوقف؛ فقد أُعيدت كتابة الورقة في أتون الحرب، لتشمل تصورًا لمرحلة ما بعد الحرب، والخطوات العاجلة لإعادة إعمار القطاع الزراعي ليكون محركًا للسلام الدائم.

ستعقب هذه الورقة تصورات عاجلة وآجلة وأدوات للنهوض بالقطاع الزراعي (مجتمعية حقلية وحيوانية ومائية وموارد طبيعية).

د. أحمد التيجاني سيد أحمد

===

كيف يمكن للزراعة أن تصنع السلام في السودان 1-3

بقلم: الباشمهندس حسن علي سنهوري

مقدمة   

لقد أدت الأزمة الإنسانية المدمرة التي نجمت عن الصراع المستمر في السودان، إلى تضرر القطاع الزراعي بشكل كبير. يُعد هذا القطاع، الذي يمثل المصدر الرئيسي لسبل العيش لغالبية السكان، ضحية مأساوية أخرى للعنف. ومع ذلك، فإن هذا التصور يبسط حقيقة أعمق وأكثر تعقيدًا، حيث أن هيكل الزراعة السودانية كان على مدى عقود المحرك الرئيسي للمظالم التي غذت الحرب. فقد أدت السياسات الرسمية إلى التهميش المنهجي للمجتمعات الريفية، وإعطاء الأولوية لمشاريع التصدير الكبرى على حساب الاحتياجات المحلية. وقد أدى هذا النهج إلى خلق عدم مساواة متجذرة أدت مباشرة إلى التمرد المسلح. ولكن، تحمل هذه المفارقة المأساوية في طياتها بذور حل قوي؛ فالقطاع نفسه الذي كان سببًا جذريًا للصراع يمتلك الآن أعمق الإمكانات لبناء سلام دائم.

المفارقة المأساوية: شريان الحياة في السودان كان محركًا للحرب 

تُعد الزراعة حجر الزاوية في الحياة في السودان، حيث يعتمد عليها الغالبية العظمى من السكان، خاصة في المناطق الريفية والمتأثرة بالصراعات، في بقائهم من خلال زراعة المحاصيل وتربية الماشية واستغلال الموارد الطبيعية. وعلى الرغم من ذلك، وبشكل لافت، تعاني الأسر العاملة في هذا القطاع من أعلى معدلات الفقر، مما يجعل صحة القطاع الزراعي أمرًا حيويًا لرفاهية الأمة. على مدار عقود، فضّلت السياسات الزراعية بشكل منهجي المشاريع واسعة النطاق الموجهة للتصدير، وأهملت احتياجات صغار المنتجين. أدى هذا النهج إلى تهميش واسع النطاق لمناطق بأكملها، مولدًا مظالم عميقة أسهمت بشكل مباشر في اندلاع التمردات المسلحة والحروب الأهلية في دارفور وكردفان والنيل الأزرق. وهكذا، تحول شريان الحياة للشعب إلى محرك للانقسام.

تُعد الزراعة حجر الزاوية في الحياة في السودان، حيث يعتمد عليها الغالبية العظمى من السكان، خاصة في المناطق الريفية والمتأثرة بالصراعات، في بقائهم من خلال زراعة المحاصيل وتربية الماشية واستغلال الموارد الطبيعية. وعلى الرغم من ذلك، وبشكل لافت، تعاني الأسر العاملة في هذا القطاع من أعلى معدلات الفقر، مما يجعل صحة القطاع الزراعي أمرًا حيويًا لرفاهية الأمة. على مدار عقود، فضّلت السياسات الزراعية بشكل منهجي المشاريع واسعة النطاق الموجهة للتصدير، وأهملت احتياجات صغار المنتجين. أدى هذا النهج إلى تهميش واسع النطاق لمناطق بأكملها، مولدًا مظالم عميقة أسهمت بشكل مباشر في اندلاع التمردات المسلحة والحروب الأهلية في دارفور وكردفان والنيل الأزرق. وهكذا، تحول شريان الحياة للشعب إلى محرك للانقسام.

متلازمة مشروع الجزيرة  

منذ الاستقلال، هيمن نموذج مشروع الجزيرة على الفكر الزراعي في السودان، تمثّل هذا النموذج في الزراعة المروية وإنتاج القطن للتصدير. وقد تبنّت الحكومات والنخب المتعاقبة هذا النهج في تخطيطها للتنمية الزراعية (مثل مشروعات الرهد وحلفا الجديدة). لهذه “المتلازمة”، التي يمكن تسميتها “متلازمة مشروع الجزيرة”، عواقب وخيمة، أبرزها الإهمال المنهجي ونقص الاستثمار في الزراعة التقليدية المطرية. ورغم أن هذه الزراعة تمثل المصدر الأساسي لسبل عيش الفئات الأكثر فقرًا في البلاد، إلا أنها لم تحصل إلا على جزء ضئيل من الاستثمار العام. وحتى عندما تحققت تنمية في مناطق الزراعة المطرية، تركزت على المشاريع الآلية الكبيرة على حساب أراضي المزارعين التقليديين، مما زاد من ضعفهم الاقتصادي.

حقل أحلام شخص آخر: كيف شكلت المصالح الأجنبية الزراعة في السودان

نادراً ما ركزت الاستراتيجية الزراعية للسودان على تحقيق المنفعة الأساسية للفئات الأكثر ضعفاً، أو على بلوغ الأهداف الوطنية للتنمية الشاملة. بل على العكس، تشكلت تاريخياً بفعل أجندات قوى خارجية، مما حوّل أراضيها الخصبة إلى حقل لأحلام الآخرين. فالمستعمر هو من وضع الاستراتيجية الأولية، وكان هدفه الرئيسي استخلاص القطن لمصانع النسيج الخاصة به. أنه بعد الاستقلال، دفعت مؤسسات مالية دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي السودان إلى التركيز على محاصيل التصدير. جاء ذلك بموجب مبدأ “الميزة النسبية”، الذي أغفل الأمن الغذائي المحلي لصالح الحصول على العملات الأجنبية.

يتبع….

 حسن علي سنهوري

مستشار التنمية الزراعية

بريد إلكتروني :  saniali2010@gmail.com

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى