الأدوية بين السوق السوداء والمخازن المغلقة

 عضو تجمع الصيادلة المهنيين يكشف لـ"أفق جديد" لَيّ عنق حقيقة أزمة الدواء

الخرطوم- ابتسام حسن

بينما يشكو المواطن المطحون بنيران الحرب والفقر، والحمى تطحن جسده، تظل الأدوية والمحاليل الوريدية مكدسة في المخازن سيئة التهوية، ويباع “درب البندول” في السوق السوداء بمبلغ وقدره 30 ألف جنيه.

وأظهرت صور وفيديوهات تكدس الأدوية والمحاليل الوريدية في مخازن الإمدادات الطبية بمنطقة “السجانة” في العاصمة الخرطوم، ورغم نفي وزارة الصحة لحقيقة المسألة، إلا أن إفادات مواطنين لـ”أفق جديد”، أثبتت ندرة الأدوية والمحاليل الوريدية في ظل انتشار الملاريا وحمى الضنك.

ووفق بيان صادر عن الصندوق القومي للإمدادات الطبية، فإن الصورة المتداولة في الوسائط لوزير الصحة الاتحادي والخبر المصاحب لها الذي يروج لوجود كميات كبيرة من المحاليل الوريدية بمخازن الإمدادات الطبية، لم تُلتقط في مخازنه، وإنما من إحدى جولات الوزير داخل مؤسسة صحية أخرى.

كما أكد الصندوق أن مخزون المحاليل الوريدية متوفر، وقد تم بالفعل توزيع 45 ألف درب بندول خلال الأسبوع المنصرم وفق الخطة الموضوعة.

ويقول المواطن خالد عبد اللطيف لـ”أفق جديد”: “مع انتشار الملاريا وحمى الضنك، هناك أزمة في الدواء والمحاليل الوريدية”.

وأضاف: “ذهبت إلى أكثر من 3 صيدليات في شارع واحد، لكن درب البندول غير متوفر، ولا نعلم الأسباب”.

من جهتها تقول المواطنة، عبير الجيلي، لـ”أفق جديد”: “الحميات تفتك بالمواطنين ولا أثر للسلطات الصحية لاحتواء الأوبئة التي تفتك بالمواطن”.

وأضافت: “لجأنا إلى الأدوية البلدية وشراء ثمرة القرع وعصير الروزانا لرفع صفائح الدم التي دمرتها حمى الضنك”.

وتابعت: “بحثنا في 23 صيدلية لتوفير 16 درب بندول لكن النتيجة كانت صفرية، واستخدمنا حبوب البندول من الدكان لخفض الحمى”.

وقال عضو تجمع الصيادلة المهنيين د. عوض عبد المنعم في حديثه لـ”أفق جديد”: “إن أزمة الدواء تعود لعدم وجود فروع للإمدادات الطبية في الولايات وعلى رأسها ولاية الخرطوم، واعتبر وجود أزمة الدواء تنصل الدولة من واجباتها”.

وأوضح أن ما تشهده البلاد في قطاع الأدوية من شح وغلاء وندرة وظهور الأدوية المهربة والأدوية المغشوشة، ما هو إلا نتيجة لسياسات الدولة وإهمالها المتعمد وتهربها من التزاماتها وواجباتها تجاه مواطنيها وحقوق المواطنة التي كفلتها كل القوانين والمواثيق الدولية، والدولة ملزمة بتوفير الدواء لمواطنيها.

وأكد أن الإمدادات الطبية أغلقت في خواتيم العام 2022 صيدلياتها في أم درمان وبحري والكلاكلة تحت غطاء توقيع شراكة لتوسيع الخدمة مع الدواء الدائري، قبل أن يجف حبر القضايا التي أثيرت في تلكم المؤسسة الربحية الغارقة في الفساد.

 وأشار د. عبد المنعم إلى قضية “الروفيناك” الشهيرة كمثال ليتم لَيّ عُنق الحقيقة حسب توصيفه، ونوّه إلى أن الحكومة اعتبرت أن تقليل نوافذ الخدمة وتقليل ساعات العمل هو تخفيف معاناة المرضى وذويهم.

 وقال إن إهمال الإمدادات الطبية المتعمد من قبل الدولة على مر العصور والعمل الممنهج لتدميرها مستهدفًا الأمن الدوائي للبلاد وشعبها المكلوم الصابر.

 ونوّه إلى أن “الضعف يكمن في عدم اهتمام الحكومة بالدواء لمن وطأ جمرة المرض، ونال حظه السيء من عدم القدرة على العلاج وضاق ألم فراق الأحبة بسبب عدم الحصول على جرعة دواء إما بسبب انعدامه أو بغلاء سعره فهما سيان”.

إلا أنه وإلى حد ما حسب تجمع الصيادلة المهنيين ممثلة في د. عوض عبد المنعم، كان الصندوق القومي للإمدادات الطبية ملجأ ومنجى لغالبية المرضى، وأشار إلى أنه من خلال صيدلياته الموزعة جغرافيا والتي كانت تعمل 24 ساعة طوال أيام الأسبوع كان الصندوق القومي يوفر الدواء للمواطن السوداني بجودة عالية وبسعر مناسب محققا بذلك أضلع المثلث الدوائي (آمن، فعال وبسعر مناسب).

ونوه إلى أن الصندوق في أحيان كثيرة يحتوي على أصناف دوائية لا توجد حتى في القطاع الخاص، ناهيك عن التزامه بتوفير أدوية السرطان ومحاليل غسيل الكُلى والأمصال وعلاجات الأمراض النادرة، فضلًا عن أن صندوق الإمدادات كان يوفر خدمة توفير العلاج من الخارج خلال فترة بسيطة وبطريقة آمنة ومن مصادر موثوقة بالتنسيق مع السفارات بالخارج.

كل ذلك ضُرب به عرض الحائط – حسب عوض- انتهجت الحكومة سياسات التدمير وصاغ المنتفعين خطط لتفكيك هذه المؤسسة الوطنية الشامخة بدعوات خبيثة سميت بهتانًا وزورًا بإصلاح وتحسين.

ويمضي د. عبد المنعم ويوضح لـ”أفق جديد”، “أن ما ظلت تردده الإمدادات الطبية عبر أبواقها في وسائل التواصل الاجتماعي ما هو إلا ذر للرماد وتدليس للحقائق وتنصل من المسؤولية والواجب، وفق قانون الصندوق القومي للإمدادات الطبية الفصل الثاني الفقرة (د، ه‍‍) أغراض الصندوق القومي للإمدادات الطبية التي تحدثنا بشكل صريح عن واجب الصندوق القومي في تسهيل الوصول وإتاحة حصول المواطن مباشرة للعلاج”.

 مؤكدًا على أن ما شهدناه ولا زلنا نشهده حاليًا من صفوف وطوابير طويلة للمواطنين أمام الصيدليات وانعدام لدرب البندول ما هو إلا نتيجة مباشرة وواضحة للعيان جراء إغلاق صيدليات الإمدادات الطبية.

 وأضاف: “بالرغم من أن الإمدادات الطبية أعلنت في بيان أنها سلمت الدواء الدائري وإدارة العلاج المجاني 45 ألف درب خلال فترة وجيزة، إلا أن المواطن لا يزال يعاني في الحصول على درب البندول في ظل انتشار حمى الضنك والملاريا ناهيك عن تذبذب الأسعار، ففي الوقت الذي يباع فيه درب البندول بـ3 آلاف في مستشفى النو تجده في مستشفى أم درمان بـ4 آلاف بالرغم من أن كلا الصيدليتين تتبعان لذات الجهة”.

واستطرد: “في الوقت الذي يؤكد فيه وزير الصحة رئيس مجلس إدارة الصندوق القومي للإمدادات الطبية أنه لا توجد مشكلة في الوفرة الدوائية تجده لا يحرك ساكنًا لتخفيف معاناة المواطنين ومراجعة قرار إغلاق صيدليات الإمدادات الطبية وتحويل المؤسسة الوطنية الوحيدة المعنية بالدواء وخط الدفاع الدوائي لبلادنا إلى مجرد وسيط وشركة مناولة ليس إلا”.

وأكد د. عوض أنه من الواجب الآن وفي ظل هذه الأزمة وليس غدًا إعادة فتح صيدليات الإمدادات الطبية فورًا لما لها من نظام صرف محكم ورقابة صارمة والتزام بالأسعار وضبط يمنع تسريب الدواء للسوق السوداء، والعمل على سداد كل مديونية الإمدادات الطبية ودعمها لتوفير علاج المواطنين والقيام بدورها الريادي الذي أنشأت من أجله وعدم الانسياق خلف المتفلسفين -على حد تعبيره- وأصحاب الاجندة الهادفة لتدمير المؤسسات الوطنية.

وكان الصندوق القومي للإمدادات الطبية أصدر بيانًا خلال ما أثير من لغط أكد فيه التزامه التام بالشفافية والواقعية في توضيح الحقائق للرأي العام.

ونوه البيان أنه خلال أسبوع سلم الصندوق القومي ولاية الخرطوم – ممثلة في إدارة العلاج المجاني – عدد 15 ألف درب بندول، إضافة إلى تسليم صندوق الدواء الدائري 30 ألف درب برا سيتمول، ليصل مجموع ما تم توزيعه إلى 45 ألف درب بندول خلال فترة وجيزة، وأكد أن عملية التسليم تتم بصورة منظمة عبر القنوات الرسمية.

 

Exit mobile version