بقلم: نيك ألين
مع اقتراب موعد الإعلان عن جائزة نوبل للسلام لعام 2025، تزداد حدة الجدل في أوسلو، حيث تتقاطع السياسة العالمية مع المأساة الإنسانية في السودان، ويتردد اسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجددًا بين المرشحين، وسط انقسام داخل لجنة الجائزة.
في قلب العاصمة النرويجية، بدا يورغن واتني فريدنس، رئيس لجنة نوبل الجديد، وهو في الأربعين من عمره، متأملًا في واقعٍ عالمي مفعم بالتوتر. عبّر عن قلقه من الاستقطاب السياسي وتصاعد النزعات الاستبدادية، مشيرًا إلى تآكل حرية التعبير حتى داخل الديمقراطيات الراسخة. وقال: الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن نرى قادة في دول ديمقراطية يهاجمون الصحافة. الرئيس ترامب وحده شن أكثر من مئة هجوم لفظي على الإعلام خلال حملته الانتخابية.
كانت هذه الكلمات كافية لإثارة جدل واسع، إذ إن فريدنس نفسه هو من سيعلن اسم الفائز يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول في معهد نوبل في أوسلو، إلى جانب أربعة أعضاء آخرين في اللجنة النرويجية، جميعهم معيّنون من البرلمان.
يتكوّن مجلس نوبل للسلام من خمسة أعضاء يحق لهم التصويت، وإذا فشلوا في التوافق، يُتخذ القرار بأغلبية الأصوات. تحليل لتصريحات الأعضاء يشير إلى أن ثلاثة منهم يميلون إلى رفض ترشيح ترامب، فيما لا يزال الموقف الرابع والخامس غامضًا. رغم ذلك، فإن الرئيس الأمريكي لا يزال في السباق، حتى وإن كانت فرصه محدودة.
في مؤتمر صحفي حديث، قال ترامب متهكما:”لقد أوقفت ثماني حروب خلال ثمانية أشهر، بما في ذلك صراع نووي محتمل بين الهند وباكستان.هذا جيد جدًا. لم يفعله أحد من قبل. لكن هل سأحصل على نوبل؟ بالطبع لا. سيمنحونها لشخص كتب كتابًا عن عقل دونالد ترامب وما يتطلبه الأمر لحل الحرب!”
وأضاف: “سيكون ذلك إهانة لأمريكا، ولكن ربما يحدث العكس، من يدري؟”
ورغم سخريته الظاهرة، إلا أن فريقه يرى أن لدى ترامب “سلاحًا سريًا” قد يساعده على الفوز: شبكة من المؤيدين داخل أوساط اليمين الأوروبي المتصاعد.
وفقًا لتوقعات موقع كالشي الأمريكي المتخصص في الرهانات السياسية، فإن غرف الاستجابة للطوارئ السودانية هي المرشح الأوفر حظًا للفوز بنسبة 24%، متقدمة على شخصيات ومنظمات عالمية بارزة.
تلك المبادرة السودانية نشأت في خضم الحرب الأهلية، حيث قدّمت مساعدات إنسانية لآلاف المدنيين، ونجحت في أن تتحول إلى رمز للسلام الشعبي في بلدٍ ممزق.
ويأتي بعد السودان في الترشيحات يوليا نافالنايا، أرملة المعارض الروسي أليكسي نافالني، تليها محكمة العدل الدولية، ثم منظمة أطباء بلا حدود.
أما ترامب، فيتشارك المركز الخامس مع الناشطة المناخية غريتا ثونبرغ، التي أُوقفت مؤخرًا بعد اعتراضها سفينة متجهة إلى غزة، قبل أن يُتوقع ترحيلها إلى أوروبا.
ورغم ذلك، لا يزال ترامب متفوقًا في التوقعات على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
الخلافات داخل لجنة نوبل ليست جديدة، لكنها هذا العام تتخذ طابعًا سياسيًا حادًا.
إحدى العضوات، غري لارسن، النائبة السابقة عن حزب العمال، نشرت عام 2020 صورة لنفسها وهي ترتدي قبعة حمراء كتب عليها “لنجعل حقوق الإنسان عظيمة مجددًا”، في سخرية من شعار ترامب الانتخابي.
وفي 2017، انتقدت سياساته بشأن الإجهاض، قائلة: “ترامب يعرض ملايين الأرواح للخطر.”
عضوة أخرى، كريستين كليميت، وهي سياسية بارزة في حزب المحافظين، كتبت بعد اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021: “من الغريب أن لا يفهم أحد أن ترامب خطر حقيقي.”
أما نائب رئيس اللجنة، أسلي توجي، فكان أكثر توازنًا في تصريحاته، إذ كتب عام 2017 مقالًا بعنوان: “ترامب ليس هتلر”، مؤكّدًا أن ما يجري في الغرب هو تحول أعمق من مجرد شخصية سياسية مثيرة للجدل.
قال فيه:”النظام الليبرالي هو الذي ينهار، وترامب جزء من هذا التحول.”
غير أن تصريحات توجي أثارت لاحقًا انتقادات حادة، خصوصًا من مايكل تيتشنر، زوج كليميت ورئيس بلدية أوسلو السابق، الذي اتهمه بالتعاطف مع اليمين المتطرف الأوروبي، قائلًا في مقالٍ ناري بصحيفة آفتنبوستن: “ترامب ومن حوله يهاجمون القيم التي بُني عليها الغرب، وصمت توجي تجاه ذلك مقلق للغاية.”
السياسة الداخلية النرويجية تلقي بظلالها
تُظهر استطلاعات الرأي أن ترامب لا يحظى بشعبية تُذكر في النرويج، إذ أظهرت دراسة لشركة Statista أن 10% فقط من النرويجيين كانوا سيصوتون له لو أُتيح لهم التصويت في الانتخابات الأمريكية عام 2024.
كما أن عضو اللجنة لارسن، ونائبتها كليميت، تنتميان لأحزابٍ ذات توجهات ليبرالية أو محافظة معتدلة، ما يجعل فرص ترامب ضئيلة للغاية.
أما العضو الخامس، آن إنغر، رئيسة الوزراء النرويجية السابقة، فهي المعروفة بموقفها الوسطي ومعارضتها للاتحاد الأوروبي. ورغم أنها لم تُدلِ بأي تعليق علني حول ترامب، فإن صمتها لا يعني الحياد، بل يُقرأ كإشارة حذرة في بيئة سياسية تميل إلى النقد الحاد للرئيس الأمريكي.
ما الذي تبحث عنه لجنة نوبل هذا العام؟
بحسب وصية الصناعي السويدي ألفريد نوبل عام 1895، فإن الجائزة تُمنح “لمن بذل قصارى جهده لتعزيز الصداقة بين الأمم، أو لتقليص الجيوش النظامية، أو لترسيخ مؤتمرات السلام”.
لكن المعايير اليوم باتت أكثر مرونة، إذ تراعي اللجنة التغيرات في المشهد العالمي، بما في ذلك المبادرات المدنية والحركات الإنسانية.
كريستيان بيرغ هاربفيكين، سكرتير اللجنة (الذي لا يملك حق التصويت)، أوضح أن اللجنة تنظر إلى “العمليات الإيجابية الكبرى في العالم”، سواء كانت اتفاقات سلام، أو جهودًا إنسانية، أو مبادرات محلية تُحدث أثرًا عابرًا للحدود.
من هذا المنظور، يبدو أن السودان أصبح محط الأنظار، إذ تجسد غرف الطوارئ فيه روح المبادرة الشعبية في مواجهة الحرب، وهو ما يمنحها تفوقًا أخلاقيا واضحا على المرشحين السياسيي