الدلنج.. حكاية الجوع في دار النوبة


أفق جديد
لم تكن “فاطمة إسحق” تتخيل حتى في أسوأ كوابيسها أن الآلاف داخل مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان، سيواجهون الجوع جراء انعدام الغذاء والعلاج ما أدى إلى وفاة العجزة والنساء والأطفال بسبب قطع طرق الإمداد وتوقف الحركة التجارية.
تقول فاطمة في حديثها لـ”أفق جديد”: “الجوع أرهق كاهل الرجال والنساء، والأطفال يموتون بسبب سوء التغذية، وتدهورت صحة كبار السن والأمهات الحوامل”.
وأضافت بالقول: “لفترة طويلة اعتمدنا على أوراق الأشجار لسد الجوع، والأزمة تزداد قسوة مع استمرار الحصار من كل الجوانب”.
وتسببت الحرب في السودان في أكبر أزمة جوع في العالم، حيث يواجه حوالي 25 مليون شخص – أي نصف سكان البلاد – جوعًا حادًا، ويعاني 3.5 مليون امرأة وطفل سوء التغذية.
ويطلب برنامج الأغذية العالمي 645 مليون دولار خلال الأشهر الستة المقبلة، لمواصلة المساعدات الغذائية الطارئة والنقدية والتغذوية في السودان.
ورغم التحسن النسبي للأوضاع المعيشية داخل المدينة التي تعاني الحصار لأكثر من عام، فإن الوضع ما يزال هشًا، ويستدعي تدخلات سريعة من المنظمات الإنسانية لتقديم المساعدات الغذائية والدوائية.
وأفاد التاجر، خالد عبد الله، في حديثه لـ”أفق جديد”، بدخول بعض المحاصيل والمنتجات الجديدة إلى الأسواق، وتراجعت أسعار السكر من 45 ألف جنيه إلى 20 ألف جنيه للكيلو، وانخفاض أسعار الزيت إلى الثلث، بينما ظهرت الذرة في الأسواق بعد غياب طويل.
وأضاف: “الأوضاع الإنسانية لا تزال حرجة رغم انخفاض الأسعار، وآلاف الأسر لا تستطيع الشراء بسبب الفقر والبطالة المتفشية والجوع الحاد يدق الأبواب كل يوم”.
وتابع بالقول: “السوق المحلي يعاني من ندرة حادة في السلع الأساسية، ونأمل فتح الطرق المغلقة وفك الحصار لإيصال البضائع والمساعدات الإنسانية لإنقاذ أرواح العالقين والجوعى”.
من جهته يقول المواطن عبد الله الإدريسي لـ”أفق جديد”: “البضائع اختفت تمامًا من الأسواق، خاصة الأرز والفول المصري، والعدس والدقيق والسكر”.
وأضاف الإدريسي قائلاً: “اضطررنا إلى تناول الحشائش البرية من أجل الصمود والبقاء على قيد الحياة، والأطفال يتناولون الحبوب الملقية على الأرض وفي ممرات المتاجر والأسواق”.
جدير بالذكر أن مدينة الدلنج تعاني شُحًا في الذرة وهي الغذاء الرئيسي للسكان هناك، فضلًا عن انعدام دقيق القمح والزيوت، ما أدى إلى تدهور صحة كبار السن والأمهات وظهور حالات سوء التغذية وسط الأطفال.
وفي أبريل الماضي، قطعت قوات “الدعم السريع”، طريقًا رئيسيًا يغذي ولاية جنوب كردفان بالسلع والمواد الغذائية من سوق “النعام” على الحدود مع دولة جنوب السودان، وذلك بعد أن سيطرت على ملتقى “أم عدارة” الاستراتيجي الواقع شرق جنوب ولاية غرب كردفان، وضيقت الخناق أكثر في يوليو الماضي، بسيطرتها على منطقة “الدشول” التي تضم ملتقى يربط مدينة الدلنج مع ولاية غرب كردفان.
أما الشريان الرئيسي المغذي لمدينتي الدلنج وكادوقلي هو طريق الأسفلت الذي يربطهما مع مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، قيدت قوات “الدعم السريع” الحركة عبره، بعد المعارك الضارية التي خاضتها مع الجيش السوداني في “الدبيبات” و”الحمادي” خلال أبريل ومايو الماضيين، وأصبحت لا تسمح بعبور شاحنات البضائع إلى ولاية جنوب كردفان.
وصنفت الأمم المتحدة منطقة كردفان التي تشمل ولايات شمال وغرب وجنوب كردفان بالنشطة عسكريًا، جراء لجوء الجيش وقوات “الدعم السريع” إلى الحشود العسكرية بما في ذلك الطائرات المسيرة.
وفي 21 أبريل الماضي، أوقفت السلطات الحكومية في جنوب كردفان عمل 30 منظمة دولية ومحلية، منها المجلس النرويجي للاجئين ومنظمة الرؤية.
وتسيطر الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو على المناطق الجنوبية من جبال النوبة منذ العام 2011، وتتخذ من مدينة كاودا عاصمة لها، ويعيش في المنطقة حوالى مليون نسمة.
وكانت كادوقلي والدلنج تحصلان على القليل من السلع الغذائية عبر طرق برية وعرة من محليات ولاية جنوب كردفان الشرقية، المربوطة بطرق برية مع مدينة أم روابة وولاية النيل الأبيض، لكن جميع هذه الطرق أُغلقت بشكل كامل بسبب مياه الأمطار، مما أدى إلى انقطاع الإمداد عبرها، وفاقم الأزمة المعيشية.
وفي ظل تصاعد الأزمة الإنسانية، سبق أن أطلق ناشطون حملة واسعة بغرض تسليط الضوء على الجوع الذي يعيشه السكان في ولاية جنوب كردفان، والضغط على الجهات الإنسانية الفاعلة، بغرض التدخل العاجل وإنقاذ ملايين المدنيين في الولاية المحاصرة.

وخلال الفترة الماضية حاول “برنامج الأغذية العالمي” التابع للأمم المتحدة، إيصال مساعدات إلى ولاية جنوب كردفان لكنه فشل، وصادرت القوات الأمنية القافلة الإغاثية التي كان يسيرها، فالدخول إلى هذه الولاية أصبح شبه مستحيل.
وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء الحرب في السودان، بما يجنب البلاد كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال.
ومنذ منتصف أبريل 2023، يشهد السودان حربًا بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.

 

Exit mobile version