أميرة خير تحوّل صمود المرأة السودانية إلى جاز وبلوز عالمي في ألبومها “الماس الأسود”

بقلم: ستيفي كونور
هناك موسيقيون يصدرون ألبومات، وهناك من يخلقون عوالم صوتية كاملة. ألبوم “الماس الأسود” للمغنية والكاتبة السودانية الإيطالية أميرة خير ينتمي للفئة الثانية. ففي عملها الرابع في الاستوديو، تقدّم خير تحية فنية متألقة للأصالة والصمود، ولجمال الهوية الإفريقية المتجذر في الروح. النتيجة عمل متقن يمزج التراث بالحداثة، ويصوغ مشهدًا صوتيًا متوهجًا يكرم الماضي ويعانق المستقبل بثقة.

عرفت خير، التي تلقّبها بي بي سي وورلد نيوز بـ”نجمة الصحراء السودانية”، بقدرتها على مزج الجاز والسول والبلوز الصحراوي بإيقاعات شرق إفريقيا، ضمن أسلوب متفرد يجمع الشمول والعمق. وقد رسّخ ترشيحها لجائزة أفضل فنانة في جوائز Songlines مكانتها ضمن أبرز الأصوات العالمية المعاصرة. لكن مع “الماس الأسود”، تضع خير بصمتها الأوضح حتى الآن: عمل موسيقي وروحي يتجاوز الأداء إلى التأمل في معنى الجذور والانتماء.

من الوهلة الأولى لأغنية الافتتاح “نهر”، تنفتح الألبوم على ما تسميه خير “وادي الحالمين”. الأغنية بموسيقى هادئة تتدفق بعاطفة آسرة، تجمع بين الحميمية والاتساع. صوتها، الذي يجمع بين الرقة الملساء والقوة المتفجرة، يحمل المستمع في رحلة من الذكريات والأسئلة الكبرى: من نحن؟ وما الوطن؟ كأنها تكتب نذراً فنياً للحياة، وتبدأ رحلة حجٍّ فني تتداخل فيها الروح والموسيقى.

في “أرض الأفراح”، يهب نسيم الصحراء عبر إيقاعات تنبض بالحركة والبهجة. يتألق فيها حضور العازف نادر رمزي، صديق خير ورفيقها في مسارها الموسيقي، بصوته وعوده الذي يضيف نسيجاً دافئاً لتوزيعٍ موسيقي غنيّ أساساً. التناغم بينهما عميق، يعكس وحدة فنية وإنسانية؛ كل لحن يبدو كأنه جسر بين الفرح والحنين.

يتجلى عبر الألبوم نهج خير القائم على الحوار بين الأصالة والتجديد. فهي تعيد تقديم أغانٍ سودانية خالدة، في تحيةٍ إلى رموز مثل فضل المولى (زنجار) وعبد القادر تلودي وعبد الرحمن الريح وعيسى بروي، وتمزجها بإبداعاتها الأصلية في انسجام طبيعي. وتبلغ هذه الرؤية ذروتها في الأغنية الرئيسية “سوداني”، التي تُعد بياناً بالفخر والانتماء. تتألق نغمتها بإيقاع قوي وصوت مفعم بالحياة، احتفاءً بالهوية السودانية وبشجاعة أبنائها.

كل مقطوعة في الألبوم تنبض بصدق التجربة ونية التعبير. أغنية “في موضع الجمال” تشبه إشراقة شمس على رمال الصحراء، تنبع من الحنين وتزدهر بالأمل. أما “زنوبة”، المهدَاة للمرأة السودانية، فهي أنشودة تمكينٍ واعترافٍ بالروح الأنثوية الراسخة التي تشكل خيط القوة والجمال في نسيج المجتمع والثقافة السودانية، وتعكس جوهر رؤية أميرة للفن كأداة إحياء وتكريم.

من الناحية الموسيقية، يسطع الأداء الجماعي لفرقة “بلاك دايموندز”. فالعازف ميشيل مونتولي على الباس ولياندرو مانشيني-أوليفوس على الطبول يشكلان إيقاعاً متجذراً ومتحرراً في الوقت ذاته، بينما يضيف أنت لو بالجيتار بريقاً رقيقاً يمتد بين الانضباط والتجريب. هذا الانسجام يصوغ لوحة صوتية مترفة، تتيح لصوت أميرة أن يحلّق بحرية، وأن يتنقل بسلاسة بين العربية والإنجليزية والإيطالية، كما لو كانت اللغات نفسها أنغاماً تنتمي لنبعٍ واحد.

الأغنية الختامية “الماس الأسود” تمثل لحظة تأمل روحية خالصة، تختصر روح الألبوم كلها. حين تغني خير:
“في عيون أجدادي رسالة تركوها لي / في أرض أجدادي كنز تركوه لي”،
ينساب صوتها كهمس تاريخي يحمل الامتنان والدهشة معاً. إنها نهاية تُبقي صداها بعد آخر نغمة، تذكّرنا بأن الموسيقى، في جوهرها، ليست ترفيهاً بل طريقاً إلى النور والوحدة.

تقول خير عن الألبوم: “استلهمته من أجدادي في السودان وأفريقيا، ومن كل ما تركوه لنا من إرثٍ ثقافي وإنساني.” هذا الشعور يشكل القلب النابض للألبوم. “الماس الأسود” ليس مجرد إنجاز موسيقي، بل استعادة للذاكرة والهوية، واحتفاء بالثراء المتوارث عبر الأجيال.
بهذا الإصدار، تُثبت أميرة خير مجددًا أنها من أبرز الأصوات وأكثرها إلهامًا في عالم الموسيقى العالمية اليوم. “الماس الأسود” ليس مجرد ألبوم، بل هو جسرٌ بين القارات والأجيال، وعطاءٌ مُشرقٌ من الحب والتراث والإنسانية. في عالمٍ غالبًا ما ينسى أصوله، تُذكرنا أميرة، برشاقةٍ وقوة، بأهمية جذورنا.

……
عن الكاتب:
ستيفي كونور، موسيقي وملحن وصحفي اسكتلندي، وأحد أبرز الأصوات في مشهد الموسيقى العالمية. أسس إذاعة Blues & Roots Radio ومجلة The Sound Café، وهما من أبرز المنصات المكرسة للموسيقى الجذرية والعالمية. شارك في لجان تحكيم جوائز جونو وجوائز الموسيقى الشعبية الكندية، ويواصل شغفه الدائم بالموسيقى ورواية القصص كجسر بين الثقافات والقلوب عبر العالم.
نقلا عن: thesoundcafe

 

Exit mobile version