حاتم أيوب أبو الحسن
في خضم التصريحات الأخيرة التي أطلقها مسعد بولس التي دعا فيها الأطراف السودانية للحضور إلى جدة، مؤكداً وجود تواصل واتفاقات مبدئية معهم حول بعض النقاط، بدا المشهد وكأن هناك بصيص أمل يلوح في الأفق. غير أن الواقع الميداني ينطق بغير ذلك، فالمعارك ما تزال تتصاعد والانتهاكات ضد المدنيين مستمرة بوتيرة يومية، مما يعكس مفارقة صارخة بين لغة الدبلوماسية وواقع السلاح.
إن السودان اليوم يقف على مفترق طرق بالغ التعقيد، حيث تسعى المبادرات الدولية بدفع من الرباعية والأمم المتحدة إلى إعادة الأطراف إلى طاولة الحوار، لكن ميزان القوة على الأرض ما يزال هو العامل الحاسم في سلوك اللاعبين المحليين. الجيش والدعم السريع كلاهما غير مستعد لتقديم تنازلات جوهرية، بل يتعامل كل طرف مع دعوات التفاوض باعتبارها مجرد تكتيك ضمن صراع طويل الأمد، وهو ما يجعل أي اتفاق معلن هشاً وقابلاً للانهيار عند أول اختبار.
المشهد القريب مرشح لاستمرار الحرب مع ما تحمله من تفكك اجتماعي ودمار اقتصادي وانهيار كامل لمؤسسات الدولة، فيما تتزايد الضغوط الدولية التي قد تتجه نحو فرض عقوبات أوسع أو العمل على فتح ممرات إنسانية قسرية إذا فشلت جولات جدة. وفي الأثناء يبقى المدنيون الحلقة الأضعف، إذ يعيشون بين نزوح قاسٍ وجوع متفاقم وخطر المجاعة والأوبئة، في ظل صمت السلاح الذي لا يعرف التوقف.
ورغم ضبابية المستقبل، يظل هناك احتمال لتسويات جزئية قد تفرضها الضرورة، كهدن إنسانية أو تفاهمات محدودة حول المساعدات، لكنها لن تمس جذور الأزمة ولن تنهي الحرب. وهكذا يبقى السودان عالقاً بين وعود السياسة ورهانات القوة، بين مبادرات الخارج وتعنت الداخل، بين أحلام السلام وواقع الخراب.
أمام هذا المشهد المأساوي، لا بد من نداء إنساني يعلو فوق كل الحسابات الضيقة، نداء يضع حياة السودانيين في قلب الأولوية، فدماء الأبرياء ليست وقوداً للتفاوض ولا أوراق ضغط على طاولات السياسة. إن إنقاذ المدنيين يجب أن يكون البداية الحقيقية لأي مسار، وإلا فإن المستقبل لن يحمل سوى المزيد من الموت والتيه.
نعود …