تعقيب على مقال أمة في بحث مؤلم عن ذاتها

محمد الأمين عبد النبي

يطرح مقال “أمة في بحث مؤلم عن ذاتها” للكاتبين فرنسيس مادينق دينق وعبد الله أحمد النعيم المنشور في سودان تربيون، فكرة “دولة واحدة بأنظمة متعددة”، في إطار مقاربة تهدف إلى التوفيق بين الوحدة الطوعية وحق تقرير المصير. وعلى الرغم من استمرار الصراع في الشمال والجنوب بعد الانفصال، إلا أن المقال يتبنى صيغة نيفاشا كأساس للتفاوض على تسوية سياسية. وتتمثل خطورة هذا الطرح في النقاط التالية:

1. التكريس لحالة التقسيم، انطلاقًا من اعتبار انفصال الجنوب حالة ذهنية قابلة للتكرار، إذ أن الأسباب التي أدت إلى ذلك الانفصال لا تزال قائمة، بل أصبحت أكثر وضوحًا، مما يجعل تكرار السيناريو ذاته أمرًا واردًا بدرجة أكبر من أي وقت مضى. ومثل هذا الطرح قد يُفضي إلى تقنين واقع الانقسام الذي أفرزته الحرب، من خلال الإقرار بوجود حكومتين.

2. تعزيز الأجندات الخارجية الرامية إلى تقسيم السودان إلى عدة دول، وإعادة طرح نموذج نيفاشا كمرجعية للتسوية السياسية على أساس تقاسم الثروة والسلطة، في وقت تجاوزت فيه المبادرة الرباعية هذا الإطار الضيق لصالح مشروع حل سياسي شامل، يستبعد القوى المتحاربة والنظام البائد، ويُمهّد لانتقال مدني ديمقراطي.

3. على الرغم من أن هذا التصور يستند إلى القضايا الجوهرية التي تسببت في اندلاع الحروب، مثل قضية الهوية، والعلاقة بين الدين والدولة، والفيدرالية، إلا أنه لم يقدم حلولًا ناجعة لها، بل استخدمها كمبرر لما يشبه قفزة في المجهول من خلال طرح يؤدي إلى مزيد من التقسيم.

4. الافتراض بأن العلاقة بين الشمال والجنوب تقوم على التعاون، يتناقض مع الواقع الماثل، حيث يشير الواقع إلى أن الصراع في البلدين يُغذِّي بعضه بعضًا، ولم تُثمر محاولات التعاون السابقة عن نتائج إيجابية على صعيد الاستقرار أو السلام أو التنمية.

5. هذا الطرح يعكس نهجًا لإدارة الأزمة بدلًا من حلها جذريًا، كما يُحوِّل الأزمة من كونها سياسية ذات أبعاد أيديولوجية إلى صراع هوياتي تتضاءل فيه فرص التوصل إلى توافقات وطنية.

6. إن تكامل الجهود الوطنية مع الإقليمية والدولية يُعد ضرورة للوصول إلى سلام شامل، وذلك في إطار مقاربة تفاوضية تُنهي الحرب بين المتحاربين، وتفتح الباب لحوار سياسي يُفضي إلى مشروع وطني. ومع ذلك، فإن العودة إلى نموذج نيفاشا لن تقود إلى سلام مستدام، بل ستُعيد إنتاج الأزمة بصورة أشد خطورة وتعقيدًا.

7. ويبقى السؤال المطروح: هل يهدف هذا الطرح إلى التسويق لتصورات بعض الدوائر الغربية، أم أنه محاولة للتأثير على مواقفها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى