بقلم: مارتن بانكس
سواء كان ذلك بدافع الميول الأيديولوجية أو نتيجة للتقاطع السياسي، يمكن تخيّل أن الفريق أول عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة السودانية، تابع التطورات الأخيرة المتعلقة بغزة بقدرٍ من الارتياح. ومع ذلك، قد يكون خطر في ذهنه: “يا للمفارقة، هذا توقيت سيئ”، خاصةً بعد انسحاب معظم الدول العربية من القمة التي كان من المفترض عقدها في موسكو بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول، بسبب انشغالها بترتيبات اتفاق غزة.
كانت تلك القمة تمثل فرصة دبلوماسية ثمينة للجنرال برهان، في إطار محاولاته لتشييد درع سيادي يحميه من ضغوط “الرباعية” — الولايات المتحدة، ومصر، والسعودية، والإمارات — الساعية لفرض رؤيتها الخاصة بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار في السودان، البلد الذي مزقته الحرب، والتي جعلت أزمته الداخلية تبدو، مقارنةً بمأساة غزة، مجرد رقم في سجلات المعاناة.
ورغم أن القمة لم تُلغَ بل أُجّلت فحسب، إلا أن عامل الوقت لا يصب في مصلحة برهان، خصوصًا مع استمرار سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، آخر بوابات الشمال المحاصَر. فقد أنشأت تلك القوات إدارة سياسية موازية تُعرف باسم “حكومة السلام والوحدة”، متمركزة في دارفور، التي تخضع لها عسكريًا وديموغرافيًا، وتقول إنها تمثل الفئات والمناطق المهمشة، داعيةً إلى نظام لا مركزي يمنح الأقاليم صلاحيات واسعة للحكم الذاتي.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه التطورات في غزة، تظل الولايات المتحدة اللاعب الأساسي القادر على فرض التغيير. فهي الجهة الوحيدة القادرة على إرغام إسرائيل على التراجع حين تقول “كفى”. ويعتقد العديد من المراقبين أن واشنطن رفضت، خلال السنوات الأخيرة، أداء دور مماثل في السودان. والآن، يبدو أن الفريق برهان يجد نفسه في موقع شبيه بموقع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو — “الثابت الذي لا يتحرك”، بينما ستضطر الرباعية، إن أرادت تحقيق أهدافها، إلى أن تلعب الولايات المتحدة دور “القوة التي لا تُقاوم“، لتجبر برهان على الانصياع.
يحاول برهان، من خلال تحركاته الدبلوماسية، تقديم نفسه كشريك موثوق لجيرانه الإقليميين، حتى وإن اضطر إلى عرض بلاده للبيع، كما يصفه بعض المراقبين — بمواردها على البحر الأحمر، وذهبها، ومعادنها، وإمكاناتها الزراعية — لأي تحالف يقبل باستمرار نفوذ الإسلاميين داخل نظامه.
هذا التوجه يعني السماح للجيش السوداني و”حكومة الأمل” المدنية المتحالفة معه بمواصلة تنفيذ خارطة طريقهم الخاصة نحو السلام، والتي تقوم أساسًا على إخضاع قوات الدعم السريع والفصائل السياسية والمدنية المتحالفة معها، لإرادة النخبة الإسلامية التي حكمت السودان طويلًا وفق مصالحها الضيقة.
لكن ترك الأمور في أيدي هذه النخبة قد يؤدي في النهاية إلى قيام “جمهورية إسلامية” جديدة، تعزز علاقاتها مع إيران ووكلائها — بما في ذلك الحوثيون في اليمن — وتفتح قنوات مع تركيا التي يُقال إنها تمد الجيش بطائرات مسيّرة، فضلًا عن روسيا التي تسعى جاهدة لترسيخ موطئ قدم لها في المنطقة، وقد ترى في ذلك مكسبًا جيوسياسيًا ضد الغرب.
وقال أحد المراقبين المطلعين على الوضع في المنطقة: “قد يفتح ذلك الباب أمام السودان ليصبح مجددًا ملاذًا آمنًا للإرهاب الدولي، وهو ما سيكون على حساب الأقليات العرقية والسياسية التي عانت طويلًا من تسلط المافيا الإسلامية في الخرطوم”.
ورغم سوداوية المشهد، إلا أن هناك بدائل ممكنة مهما بدت معقدة. فالقوى المناهضة للبرهان، سواء من قوات الدعم السريع أو الكيانات السياسية والمدنية الأخرى، لم تطرح شروطًا خارجة عن المنطق؛ بل إن معظم مطالبها تُعدّ مكونات أساسية لأي تسوية عادلة ودائمة.
ويقول خبير مقيم في بروكسل: “يرجع التعقيد بالأساس إلى رفض الإسلاميين الدخول في أي عملية تحد من قدرتهم على التحكم بمستقبل السودان”.
لقد أثبتت الولايات المتحدة، في ملف غزة، أنها حين تريد، تستطيع حسم المواقف ودفع الأطراف المتنازعة — سواء كانت متورطة مباشرة أو تملك نفوذًا إقليميًا — إلى وقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة التفاوض. ومع ذلك، فإن النجاح في غزة يتطلب جهدًا إقليميًا ضخمًا وتضحيات مادية وبشرية كبيرة. وبالمقارنة، سيبدو تحقيق السلام في السودان أكثر بعدًا عن المنال، ما لم تُقنع واشنطن الجنرال برهان بأن طريقه الحالي لن يقوده سوى إلى العزلة.
وصفت الأمم المتحدة الوضع في السودان بأنه أكبر أزمة إنسانية على وجه الأرض. اندلعت الحرب في أبريل/نيسان 2023، بعد اشتباك الجيش وقوات الدعم السريع حول خطة دمج قواتهما. وتشير التقديرات إلى مقتل نحو 300 ألف شخص وتشريد ما لا يقل عن 2.7 مليون آخرين، إلى جانب تفشي المجاعة واتهامات بارتكاب إبادة جماعية في دارفور.
وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، لم يتوصل تحقيق أممي إلى نتيجة حاسمة بشأن الإبادة الجماعية، لكنه أكد أن الطرفين ارتكبا جرائم حرب. وتنفي قوات الدعم السريع تورطها، مشيرةً إلى أن ما يجري هو “نزاع قبلي” في الإقليم. كما لفتت البي بي سي إلى أن العمل الإنساني تضرر بشدة عقب قرار إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب بوقف المساعدات.
يُعرف الفريق أول عبد الفتاح البرهان بعلاقاته الوثيقة مع مصر، وهو الرئيس المعترف به دوليًا للسودان. خدم في مناطق عدة، من بينها دارفور وجنوب السودان قبل الانفصال، كما التقى مؤخرًا كبير المستشارين الأمريكيين للشؤون الأفريقية مسعد بولس في سويسرا، حيث ناقشا الانتقال نحو الحكم المدني.
يقع السودان في شمال شرق إفريقيا، وتبلغ مساحته 1.9 مليون كيلومتر مربع، ويحده سبع دول بالإضافة إلى البحر الأحمر. يمر به نهر النيل، ما يمنحه أهمية استراتيجية كبيرة. أغلب سكانه مسلمون، واللغتان الرسميتان هما العربية والإنجليزية. ورغم ثرواته المعدنية والزراعية الضخمة، ظل من أفقر دول العالم حتى قبل اندلاع الحرب.
نقلاً عن: EU Reporter
مارتن بانكس — صحفي بريطاني يغطي شؤون الاتحاد الأوروبي من بروكسل منذ عام 2001، بعد سنوات طويلة في الصحافة الإقليمية بالمملكة المتحدة.