رسوم بلا إيصالات… أتاوات التعليم
الخرطوم – ابتسام حسن
أعلنت جهات نقابية عن “كشف” وصفته بالصادم، يتعلق بممارسات مالية تمارسها إدارة مكتب التعليم في محليتي كرري وجبل أولياء بولاية الخرطوم، متمثلة في فرض مبالغ إجبارية على المدارس تحت اسم (الدلع) “مساهمة”، بمبلغ قدره (100.000) مائة ألف جنيه نقداً عن كل مدرسة تستقبل تلاميذ الصف الأول الابتدائي أو الصف الأول المتوسط، يوردها مدير المدرسة لمكتب التعليم بالمحلية، إضافة إلى فرض رسم على كل مدرسة قدره (500) جنيه عن كل تلميذ، تورده المدرسة لمكتب التعليم دون سند قانوني أو إيصال رسمي يوضح الجهة المستفيدة وطبيعة الإنفاق.
وإعتبر خبراء تربويون أن الفرضيات التي تُعمم على الطلاب في مراحل التعليم دون مراعاة لأحوال الأسر ما هي إلا جريمة في حق النشء وأسرهم، بل في حق الدولة كلها، بما يعود عليها من تأخر ينتج ممن خسروا تعليمهم بسبب قرارات كان على صادريها دراستها بعقول تخشى الله وتراعي ما يؤول إليه ذلك من خسران.
فرضيات أحادية
تأسف مديرو مكاتب إدارات التعليم من أن تأتي هذه الفرضيات الخاصة بالإسهام من جهة واحدة، هي الوزارة وإداراتها المختلفة، التي تجتمع وتقرر بناءً على نظرة أحادية قاصرة وقاهرة في آن واحد.
وفي وقت وُصفت فيه تلك الرسوم بـ”الإتاوات” من قبل لجنة المعلمين بمحليتي كرري وجبل أولياء، رفض مديرو إدارات التعليم هذا الوصف منادين بتسميتها “مساهمات”.
تساؤلات
وتساءلت جهات نقابية: من أين سيأتي مدير المدرسة بهذا المبلغ؟ هل يوجد غير ولي أمر التلميذ؟
إنه الفساد والإفساد – حسب توصيفهم – واستنكروا تحميل أولياء الأمور هذه الأعباء المالية من خلال المدارس، بينما المفترض أن تكون موارد الصرف على مكاتب التعليم من مسؤولية الدولة.
واعتبروا ذلك غياباً للشفافية والمحاسبة، حيث تُسدد هذه المبالغ دون إيصالات أو مستندات، وفي ظل غياب رقابة الدولة وتواطؤ ظاهري من بعض مسؤولي الوزارة الولائية.
غياب الدولة
اعتُبر أن ما يحدث هو نتيجة مباشرة لغياب الدولة وسقوط آليات المحاسبة، وعودة ممارسات النظام البائد في جمع “الغنائم” على حساب المعلم والأسرة والطفل.
وقد رُفضت تلك الممارسات وبرزت دعوات بعدم الصمت عليها.
مطالبات
وطالب نقابيون بوقفٍ فوري لكل عمليات فرض الأموال والمساهمات الإجبارية الموجهة إلى المدارس وأولياء الأمور، وفتح تحقيق مستقل في إجراءات مكتب التعليم بمحليتي جبل أولياء وكرري، وفي الجهات التي تصدر هذه التوجيهات، وتقديم المتورطين للمحاسبة.
كما طالبوا بإصدار إيصالات رسمية ووضع آلية شفافة لأي تبرعات أو مساهمات طوعية مع كشف حساب منشور.
ودعوا إلى دفع مستحقات المعلمين وصرف الرواتب المتأخرة التي وصل بعضها إلى (14) شهراً دون تأخير أو أعذار.
تهديد
وهددت لجنة المعلمين بمحليتي جبل أولياء وكرري بتقديم شكاوى رسمية إلى النيابة العامة ووزارة التربية الاتحادية والولائية.
كما ناشدت المعلمين والمواطنين بإطلاق حملات توعية لمقاطعة أي تحصيل غير قانوني، وجمع مستندات وإيصالات لفضح الممارسات، والتعاون مع لجان أولياء الأمور والحقوقيين لإقامة دعاوى قضائية ومطالبات رسمية.
دمار التعليم
وأكد الخبير التربوي الهادي السيد عثمان في تصريح لـ(أفق جديد) أن أسباب تدني التعليم عوامل كثيرة ومتعددة يتسبب بها أشخاص يرون فيها أنها تقدمه وتطوره وتعود عليه بالنفع أو لمصالح لا تخدمه، بل تضره.
وقال إن ذلك تسبب في فاقد تربوي وتسرب آخر، وعاد بضرر على البلاد ودمار لتعليمها وتوسيع لمساحة سجونها بتعاون مع أعدائها بجهلهم وعدم وطنيتهم.
وأضاف أن ما يعيشه المواطن اليوم من تقتيل وتشريد ونهب وإرهاب كفيل بأن يسوق العقول إلى الشفقة والعطف على أبنائنا لتعليمهم، مؤكداً أن الذين لا يراعون ما آلت إليه ظروف الأسر من حالٍ يستحق العطف لا يستحقون مسؤولية أي مرفق في الدولة.
وأشار إلى أن الأسر تبحث اليوم عما يسد رمقها بعد عودتها إلى ديارها، فكيف لمسؤول – أياً كان موقعه – أن يكلّفها بما لا تستطيع لتعليم أبنائها، مما يجعلهم يخرجون من دائرة التعليم والحزن يملأ قلوبهم.
إتاوات
وذهب مدير مكتب التعليم السابق بالمعاش الإمام عبد الباقي الإمام في تصريحه لـ(أفق جديد) إلى ضرورة تسمية الأشياء بأسمائها قائلاً:
إن لفظة “إتاوات” تُشعر بالتقزز والنفور، لذا يستحسن أن نطلق عليها “إسهامات”، فمن المألوف والمعروف أن كل مؤسسات التعليم على مستوى العالم تتطلب جهوداً مشتركة تبذلها الدولة ويسهم فيها المواطن بما يستطيع، لا بالفرض القهري وجبروت السلطان.
وأضاف: “يا حبذا لو سبقت هذا الفرض دراسة علمية قبلية يشترك فيها إلى جانب إدارات التربية والتعليم اختصاصيون اجتماعيون وناشطون مهتمون واقتصاديون، إلى جانب مجالس الآباء والأمهات ونخبة من رجال البر والإحسان، على أن تخرج هذه الدراسة بتوصيات وتوجيهات تنص عليها لوائح محاسبية للجهة التي تتجاوز هذه الضوابط والسقف المتفق عليه”.
مراعاة الظروف
وأكد أنه بالنظر إلى الإسهام الطوعي ينبغي ألا يترتب عليه طرد الطالب أو مضايقة الأسر، مراعاةً للظروف التي يعيشها المواطن من نزوح وتشريد وشظف العيش، إلى جانب العوامل النفسية التي تحتاج هي الأخرى إلى تأهيل ومعالجة قبل الدخول في أي برامج “تزيد الطين بلة” – على حد تعبيره.
وقدم الإمام مقترحات لمعالجة مثل هذه الإشكاليات، متمثلة في تعديل مقترح الإسهام في حدود (25) ألف جنيه بدلاً عن (100) ألف، وألا يتم مضايقة أو طرد أي طالب معسر، بل يتوجب إعفاؤه، وتكوين لجان متابعة ترفع تقريرها للسيد مدير عام التعليم، فضلاً عن تطبيق اللوائح المحاسبية على كل من يتجاوز السقف المتفق عليه.
كما دعا إلى وضع خطة بديلة ورؤية مستقبلية تتمثل في توظيف المعونات التي تقدمها المنظمات الوطنية والدولية، ودعا وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم إلى مراعاة الظروف الاقتصادية التي يعيشها المواطن، وقال:
“وللتوفيق بين الظرفين ضعوا حداً أدنى وسقفاً وسطاً، وذلك بمضمون الآية الكريمة: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، ومضمون الحديث النبوي الشريف: (لا ضرر ولا ضرار)”.
فساد
وقال الناطق الرسمي باسم لجنة المعلمين في تصريحه لـ(أفق جديد):
“نحن نعتبر فرض مثل هذه الرسوم نوعاً من الفساد، والسبب فيه تخلي الدولة عن مسؤوليتها تجاه التعليم”.
وأكد أن تسيير مكاتب التعليم مسؤولية المدير التنفيذي بالمحلية حسب قانون 1994م، وأضاف:
“لكن لأن الدولة متنصلة عن واجبها، حملت المسؤولية للمدارس، والتي بدورها حملتها للآباء، لذا يجب أن يتوقف هذا الفساد بصورة حاسمة ويُحاسب كل من تسبب في فتح هذا الباب”.