سلام لا يصنعه المتحاربون ..  قراءة في ملامح التسوية المقبلة في السودان

بقلم: رضوان بلال

بين الدعوات المتكررة لوقف الحرب في السودان، وتنامي الجهود الإقليمية والدولية، خصوصًا من قِبَل الآلية الرباعية، تبرز أسئلة مشروعة تتردد على ألسنة السودانيين:

كيف يمكن تحقيق السلام في ظل حربٍ أشعلها متحاربون يتنازعون على السلطة؟

وكيف يمكن أن يتصافح مَن تسببوا في المآسي، بل ويُخضعوا للمحاسبة على جرائمهم؟

إن الواقع يُظهر أن الجراح التي خلّفتها الحرب أعمق من أن تندمل بتوقيع اتفاق أو مصافحة شكلية. فالمسافة بين الأطراف المتحاربة ليست مجرد خلاف سياسي، بل هي فجوة من الدم، والدمار، والأحقاد، والثأرات، تجعل من فكرة المصالحة المباشرة ضربًا من الخيال في الوقت الراهن.

سلام من خارج دائرة الحرب

السلام المرتقب في السودان لن يكون من صنع المتحاربين أنفسهم ، ولا من رحم الصراع العسكري ، بل من قوة جديدة تشكّلت خارجه: قوة المجتمع، والوعي الشعبي ، والإرادة الوطنية، إلى جانب الدعم الإقليمي والدولي الساعي لوقف نزيف الحرب الذي يهدد أمن المنطقة بأسرها.

لقد أثبتت التجارب أن الحروب لا تتوقف دائمًا بتصافح القتلة، بل بكسر منطق الحرب ذاته وسحب أدواتها. وحين تتآكل قوى المتحاربين وينهك الجميع، يظهر طريق ثالث ، لا هو طريق المنتصرين في الميدان ، ولا طريق المهزومين ، بل طريق الوطن الذي يفرض إرادته ويقول كلمته: كفى حرباً .

السلام ليس صفقة ولا مكافأة

السلام الحقيقي لا يُبنى على مكافأة المجرمين بمناصب جديدة، ولا على منطق الانتقام ، بل على بناء نظام عادل يمنع تكرار الجريمة ، ويؤسس لمستقبل جديد.

التفاوض مع أطراف الحرب لا يجب أن يكون باعتبارهم شركاء في صناعة المستقبل، بل باعتبارهم مَن أُجبروا بالإرادة الشعبية والدولية على الإذعان لحقيقة جديدة : أن زمن الحكم بالسلاح قد إنتهى.

معادلة السلام العادل

الوصفة الواقعية لصناعة السلام في السودان تقوم على أربعة مرتكزات أساسية :

  1. وقف القتال فوراً عبر ضغط داخلي وخارجي منظم.
  2. محاسبة المتورطين في الجرائم، وفق آليات عدالة وطنية ودولية.
  3. فتح المجال لقوى مدنية جديدة ونظيفة تعبّر عن تطلعات الشعب، لا عن مصالح النخب القديمة.
  4. معالجة جذور الصراع المتمثلة في التهميش، واحتكار السلطة والثروة، وغياب العدالة الاجتماعية.

سلام تفرضه إرادة الحياة

إن السلام الذي يتطلع إليه السودانيون لن يصنعه من أشعلوا الحرب ، بل من اكتووا بنارها ، ولن يتحقق عبر تنازلات شكلية، بل عبر توازن جديد تفرضه إرادة الحياة على منطق السلاح.

وما لم تُكسر الحلقة الجهنمية التي تربط الحرب بالسلطة والثروة ، فلن يكون ما بعد هذه الحرب إلا تهيئة لحرب أخرى .

لقد آن الأوان لأن يقول السودان، بكل قواه الحية: ” كفاية حرب… وليبدأ السلام من إرادة الشعب ، لا من رصاص البنادق”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى